وأخرجه الترمذي في ((جامعه)) (ج2 ص 281)، باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، من طريق عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه)).
وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
قلت: قال الشيخ أحمد شاكر: وقال النووي في ((شرح مسلم)): إسناده على شرط الشيخين، وقال في ((رياض لصالحين)):إسناده صحيح، وقال زكريا الأنصاري في ((فتح العلام)): إسناده على شرط الشيخين. قال: وهو كما قالا.
وقال أحمد شاكر أيضاً في ((تعليقه على الترمذي)) (ج2 ص 282): أفرط في هذه المسألة رجلان: ابن حزم، إذ زعم أن هذه الضجعة واجبة، وشرط في صحة صلاة الفجر، وابن تيمية في الرد عليه حتى زعم أن حديث الباب باطل، وليس بصحيح وأن الصحيح الفعل لا الأمر بها لأن ابن حزم يتمسك بلفظ الحديث وظاهره وأن الأمر للوجوب.
قال: وقد قلنا في حواشي ((المحلى)) ما نصه: أفرط ابن حزم في التغالي جداً في هذه المسألة، وقال قولاً لم يسبقه إليه أحد ولا ينصره فيه أي دليل، فالأحاديث الواردة في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ظاهر منها أن المراد بها أن يستريح المصلي بعد طول صلاة الليل لينشط لفريضة الصلاة، ثم لو سلمنا له أن الحديث الذي فيه الأمر بالضجعة يدل على وجوبها: فمن أين يخلص له الوجوب معناه الشرطية وأن من لم يضطجع لم تجزئه صلاة الغداة؟
اللهم غفراً وما كل واجب شرط ثم إن عائشة روت ما يدل على أن هذه الضجعة إنما هي استراحة لانتظار الصلاة فقط وذكر حديث عائشة (( ... فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع)) قال: وهو صريح في المعنى الذي قلناه أو كالصريح. قلت: لي وقفتان: الأولى عند قوله (أفرط ابن تيمية) فأقول إن كلام ابن تيمية رحمه الله هو التحقيق في هذه المسألة وسيأتي برهان ذلك إن شاء الله تعالى.
والثانية عند قوله: (المراد بها أن يستريح المصلي بعد طول صلاة الليل لينشط). فأقول: هذا تأويل منه رحمه الله تعالى، وكأنه أخذه من تأويل عائشة لذلك. وسيأتي أنه لم يثبت عنها. فهذا التأويل يحتاج إلى دليل.
وقال النووي رحمه الله تعالى في (المجموع) (ج3 ص 482) بعد ذكره لحديث أبي هريرة في الأمر بالاضطجاع: صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. ا. هـ.
قلت: رواه أيضاً ابن خزيمة في (صحيحه) (ج2 ص 167)، من طريق عبد الواحد أيضاً، ورواه أحمد أيضاً (ج2 ص 415)، من طريقه , وابن حبان كذلك (موارد الضمآن) (ص161 - 162).
والبيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص 45)، وقال عقبة: وهذا يحتمل المراد به الإباحة، فقد رواه محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح عن أبي هريرة حكاية عن فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا خبراً عن قوله ثم أسند الحديث. قلت: وأخرج الحديث حكاية عن فعله أيضاً ابن ماجة (ج1 ص 387). وقال البيهقي عقبه: وهذا أولى أن يكون محفوظاً لموافقته سائر الروايات عن عائشة وابن عباس.
قلت: رواية الأعمش تعتبر شاذة كما أشار إليه البيهقي.
قال الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) (ج3 ص 25) بعد ذكره لكلام البيهقي: (كونه من فعله أولى أن يكون محفوظاً) ونقله عنه أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي كما في رسالته ((إعلام أهل العصر)) والجواب عن هذا الجواب أن وروده من فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا ينافي كونه ورد من قوله فيكون عند أبي هريرة حديثان حديث الأمر به وحديث ثبوته من فعله على أن الكل يفيد ثبوت أصل الشرعية فيرد نفي النافين.
وذكر أبو الطيب أيضاً أن من الأجوبة التي ذكروها أن ابن عمر لما سمع أبا هريرة يروي حديث الأمر به قال أكثر أبو هريرة على نفسة .... إلخ.
قلت: هذا الكلام فيما لو ثبت الأمر بالاضطجاع ولكنه قد تفرد به عبد الواحد بن زياد عن الأعمش، وفي روايته عن الأعمش مقال , قال الحافظ في التهذيب: وقال صالح ابن أحمد بن علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما رأيت عبد الواحد بن زياد يطلب حديثاً قط بالبصرة ولا بالكوفة، وكنا نجلس على بابه يوم الجمعة بعد الصلاة أذاكره حديث الأعمش فلا يعرف منه حرفاً. ثم قال: وقال أبو داود: ثقة عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها.
¥