وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) مثل هذا الكلام وعد هذا الحديث من مناكيره.

وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (ج1 ص82): وقال أبو طالب: قلت لأحمد: حدثنا أبو الصلت عن أبي كريب عن أبي سهيل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه اضطجع بعد ركعتي الفجر قال: شعبة لا يرفعه. قلت: فإن لم يضطجع عليه شيء , قال: لا , عائشة ترويه وابن عمر ينكره , وقال الخلال وأنبأنا المروزي أن أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) قال: حديث أبي هريرة ليس بذلك قلت: إن الأعمش يحدث به عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: عبد الواحد وحده يحدث به. ا. هـ.

وقال ابن القيم أيضاً في ((الزاد)) (ج1 ص 82): وذكر الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه قال: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وسمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر بها والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه. ا. هـ.

وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (ج2 ص 7) في الكلام على حديث أبي هريرة: قال ابن تيمية: ليس بصحيح لأنه تفرد به عبد الواحد بن زياد وفي حفظه مقال وقال المصنف (يعني ابن حجر): والحق أن تقوم به الحجة إلا أنه صرف عن الوجوب ما ورد من عدم مداومته صلى الله عليه وعلى آله وسلم على فعلها.

وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) (ج3 ص 25): إن حديث أبي هريرة من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش، وقد تكلم فيه بسبب ذلك يحيى بن سعيد القطان وأبو داود وذكر الكلام الذي نقلناه من التهذيب والميزان، ثم قال: وهذا من روايته عن الأعمش، وقد رواه الأعمش بصيغة العنعنة وهو مدلس ا. هـ.

قلت: سيأتي عنه أنه يميل إلى تصحيحه والقول بوجوب الاضطجاع استناداً على حديث عبد الواحد هذا، وأما عنعنة الأعمش عن أبي صالح فلا تضر كما قال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)).

ولقد جعل السيوطي رحمه الله تعالى حديث عبد الواحد هذا من أمثلة الشاذ في المتن فقال في ((تدريب الراوي)) (ج1 ص 235): ومن أمثلة الشاذ في المتن ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) قال البيهقي: خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا فإن الناس إنما رووه من فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا من قوله، وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ. ا. هـ كلامه.

تنبيه: قال ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه ((المحلى)) (ج3 ص 196): مسألة: كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على شقه الأيمن بين سلامه من ركعتي الفجر وبين تكبيره لصلاة الصبح، وسواء عندنا ترك الضجعة عمداً أو ناسياً وسواء صلاها في وقتها أو صلاها قاضياً لها من نسيان أو عمد نوم. فإن لم يصلِ ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع، فإن عجز عن الضجعة على اليمين لخوف أو مرض أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته فقط.

واستدل بحديث أبي هريرة الذي فيه الأمر بالاضطجاع وهو من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش. وتقدم الكلام عليه وبيان علته.

وقال (ص199): وحكم الناسي ههنا كحكم العامد، لأن من نسى عملاً مفترضاً من الصلاة فعليه أن يأتي به لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر إلا أن يأتي نص بسقوط ذلك عنه.

وإنما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين: أحدهما سقوط الإثم جملة هنا وفي كل مكان، والثاني من زاد عملاً لا يجوز له ناسياً وكان قد أوفى جميع عمله الذي أمر به فإن هذا قد عمل ما أمر وكان ما زاد بالنسيان لغواً لا حكم له.

فإن أدرك إعادة الصلاة في الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة وإن لم يقدر على ذلك إلا بعد خروج الوقت لم يقدر على الإعادة لما ذكرنا قبل ولا يجزئه أن يأتي بالضجعة بعد الصلاة لأنه ليس ذلك موضعاً ولا يجزئ عمل شيء في غير مكانه ولا في غير زمانه ولا بخلاف ما أمر به لأن هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الأحوال وبالله التوفيق. ا. هـ

قلت: رحم الله ابن حزم فهذه هفوة منه وكما قال القائل: ((لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة)) وتقدم كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.

وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (ج1 ص82): وأما ابن حزم ومن تابعه فإنهم يوجبون هذه الضجعة ويبطل ابن حزم صلاة من لم يضطجعها بهذا الحديث (يعني حديث أبي هريرة) وهذا مما تفرد به عن الأمة ورأيت مجلداً لبعض أصحابه (ذكر المناوي ــ بضم الميم ــ صاحب ((فيض القدير)) أن هذا المجلد لابن حزم انظر (ج1 ص 390) قد نصر فيه هذا المذهب إلى أن قال: وقد غلا في هذه الضجعة طائفتان وتوسط فيها طائفة ثالثة فأوجبها جماعة من أهل الظاهر وأبطلوا الصلاة بتركها كابن حزم ومن وافقه وكرهها جماعة من الفقهاء وسموها بدعة.

وتوسط فيها مالك وغيره فلم يروا بها بأساً لمن فعلها راحة وكرهوها لمن فعلها استناناً واستحبها طائفة على الإطلاق. ا. هـ.

قلت: والأخير هو الحق إن شاء الله وهو الذي تدعمه الأدلة، وكما قال القائل ((قطعت جهيزة قول كل خطيب)) فحديث عبد الواحد كما عرفت معل ولا حجة لمن تعلق به فالحمد لله.

وقال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج3 ص 43 – 44) عند ترجمة البخاري ((باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع)): وأشار بهذه الترجمة إلى أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يداوم عليها وبذلك احتج الأئمة وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب وأفرط ابن حزم فقال: يجب على كل أحد وجعله شرطاً لصحة صلاة الصبح ورد عليه العلماء. ا. هـ ملخصاً.

وقال المناوي في ((فيض القدير)) (ج5 ص 148): وأفرط ابن حزم فأخذه بظاهرة فأوجب الاضطجاع على كل أحد وجعله شرطاً لصحة صلاة الصبح. اهـ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015