قال المعلمي في (التنكيل) في أثناء بعض كلامه: (كان الرواة الذين هم أثبت من ابن وضاح يخطئون على ابن معين، يتكلم ابن معين في رجل فيروون ذاك الكلام في رجل آخر كما قدمت أمثلة من ذلك في القاعدة السادسة من قسم القواعد----؛ وإذا اختلف النقل عن إمام أو اشتبه أو ارتيب فينظر في كلام غيره من الأئمة وقضى فيما روي عنه بما ثبت عنهم).

وقد يكون ذلك الاختلاف اختلاف تنوع لا تضاد، فيكون احد الحكمين مفسراً لما أجمله الاخر أو مبيناً لما أبهمه أو مقيداً لما أطلقه، أو يكون الراوي عند ذلك الناقد واقعاً بين هذا الحكم وذاك؛ قال ابن معين في راو من الرواة (ثقة) وقال فيه مرة (ليس بذاك القوي) فقال المعلمي في (التنكيل) (ص411):

(وهذا إنما يعطي أنه ليس غاية في الاتقان، فكأن ابن حبان فسر ذلك إذ قال في (الثقات): كان متقناً ربما وهم).

هذا كله بعد أن يتم التثبت من صحة نسبة الكلمات المتياينة إلى الناقد؛ فقد لا يكون الاختلاف منه بل يكون الاختلاف عليه من رواة كلامه بسبب وهم وقع فيه بعضهم.

22 - بيان أنه لا يصح ادعاء معان كثيرة متباعدة لكلمة واحدة من عالم واحد:

لا يستقيم حمل اصطلاح العالم الواحد على معان كثيرة يبعد عرفاً أن يستعمله لجميعها؛ مثل أن تحمل لفظة (حسن) من الترمذي على عشرة معانٍ متباينة؛ إلا إذا لاحظنا رجوع تلك المعاني إلى أصل واحد أو أصلين متقاربين أو لاحظنا ارتباط تلك المعاني بهما، أو تقاربها فيما بينها.

23 - بيان عدم صحة الجمود الكلي على ما بينه العالم من معنى لبعض اصطلاحاته:

ليس من الصحيح أن نفهم تعريفات القدماء لبعض اصطلاحاتهم على أن ذلك هو المعنى الوحيد لذلك المصطلح عندهم، وذلك مثل تعريفات الشافعي والحاكم والخليلي للحديث الشاذ؛ فالمتقدمون لا يلتزمون السير على طريقة التعريف الجامع المانع كما هي طريقة المتأخرين؛ ولا سيما إذا كان ذلك التعريف جواباً لسائل مستفهم، وهم كثيراً ما يقتصرون على بيان المشكل من المعاني والمصطلحات ويتركون الكلام على ما سواه مما يظهر للسامعين اندراجه تحته أو التحاقه به أو قياسه عليه.

24 - بيان أن خروج المحدث أو العالم عن اصطلاح الجمهور قد يكون خلاف الأصل عنده:

إذا ثبت خروج الناقد عن اصطلاح الجمهور أحياناً في لفظة بعينها فليس معنى ذلك خروجه عن اصطلاحهم في جميع استعمالاته لتلك اللفظة؛ ولكنه يحتمل أنه يخرج أحياناً، مع أن الأصل عنده موافقته لهم في معنى تلك الكلمة.

25 - بيان شروط وضع اصطلاحات جديدة أو معاني جديدة لألفاظ اصطلاحية قديمة:

ينبغي لمن تكلم في هذا الفن أن يورد الألفاظ المتعارفة فيه مستعملاً لها في معانيها المعروفة عند أربابه؛ ومخالف ذلك إما جاهل بمقتضى المقام أو قاصد للإبهام أو الإيهام؛ مثال ذلك: أن يقول قائل في حديث ضعيف: إنه حديث حسن، فإذا اعترض عليه قال: وصفته بالحسن باعتبار المعنى اللغوي لاشتمال هذا الحديث على حكمة بالغة؛ فهذا القائل لا يخلو من أحد الاحتمالات الثلاثة المتقدمة. وأما قولهم (لا مشاحة في الاصطلاح) فليس هذا موضع الاعتذار بمثل هذا القول؛ وإنما موضعها ما لم تكن المصطلحات قد استقرت واشتهرت وتقادم العهد عليها وكانت الكتب حافلة بها.

ثم إنه لا معنى لتعدد الاصطلاحات ومخالفة القدماء فيها، ولو لم ينشأ عن ذلك إبهام ولا إيهام؛ إلا إذا كان في ذلك مصلحة راجحة.

فمن أراد أن يضع اصطلاحات جديدة مكملة لما وجد من الاصطلاحات أو يرى أن الحاجة مقتضية لذلك فعليه أن يحذر غب المبالغة في تكثير المصطلحات بلا حاجة وتقسيمها وتحديدها بلا مقتضي وليحذر ما ينبني على ذلك من أضرار على هذا العلم وإفساد لمقاصد أهله باصطلاحاتهم.

26 - بيان شدة حاجة طالب علم الحديث إلى التوسع والتعمق في دراسة مصطلحات المحدثين:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015