كثيراً من ضوابط معرفة معاني تلك المصطلحات على وجه التحقيق والتدقيق.

ومن ذلك ما يلي من كلماتهم.

قال الذهبي في (الموقظة) (ص82): (والكلام في الرواة محتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله؛ ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة).

وقال ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص105): (وبينهما [أي أرفع عبارات التعديل وأسوأ عبارات التجريح] أمور كثيرة يعسر ضبطها---- وثَمَّ اصطلاحات لأشخاص [أي مختصة بهم] ينبغي التوقيف عليها).

وقال ابن حجر في (نزهة النظر) (ص111): (ومن المهم أيضاً معرفة أحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً----؛ ومن أهم ذلك بعد الاطلاع معرفة مراتب الجرح والتعديل لأنهم قد يجرحون الشخص بما لا يستلزم رد حديثه كله).

يريد أن التضعيف على درجات فبعضه يستلزم رد حديث الراوي كله، وبعضه لا يستلزم ذلك، بل يقبل من حديثه ما تابعه عليه من كان مثله أو قريباً منه في حاله في الرواية؛ وهو يشير بذلك إلى وجوب التفريق الدقيق بين معاني عباراتهم.

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (1/ 362): (فمن نظر في كتب الرجال ككتاب ابن أبي حاتم----والكامل لابن عدي والتهذيب وغيرها ظفر بألفاظ كثيرة؛ ولو اعتنى بارع بتتبعها ووضع كل لفظة بالمرتبة المشابهة لها مع شرح معانيها لغة واصطلاحاً لكان حسناً؛ وقد كان شيخنا [يعني ابن حجر] يلهج بذكر ذلك فما تيسر؛ والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم، لما عُرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك).

وقال العلامة المعلمي في (التنكيل) (ص257 - 258) في أثناء بيانه للأمور التي ينبغي أن يراعيها من أراد أن يعرف أحوال الرواة: (ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه مستعيناً على ذلك بتتبع كلامه في الرواة واختلاف الرواية عنه في بعضهم مع مقارنة كلامه بكلام غيره----).

وقال المعلمي أيضاً في مقدمته لكتاب ا (لفوائد المجموعة) (ص9): (صيغ الجرح والتعديل كثيراً ما تطلق على معانٍ مغايرةِ لمعانيها المقررة في كتب المصطلح. ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر).

وكما دعا المعلمي إلى إعادة النظر في معاني اصطلاحات المتقدمين عند المتأخرين، دعا إلى مثل ذلك في القواعد فقال في الموضع المذكور: (القواعد المقررة في مصطلح الحديث منها ما يذكر فيه خلاف ولا يحقق الحق فيها تحقيقاً واضحاً، وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيراً؛ وإدراك الجق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية).

وقال مؤلفا (تحرير التقريب) (1/ 43 - 44) عقب شئ ذكراه: (وهذا يدل من غير شك أن أهل العلم لم يتفقوا على تعابير بعينها في تلك الأعصر، مما يتعين [أي بسببه] دراسة ألفاظ كل عالم منهم على حدة وتحديد مراده من ألفاظه؛ وكثير من هذه الألفاظ هي ألفاظ وصفية لا اصطلاحية). قلت: هذه الجملة الأخيرة تنبيه جيد صحيح.

19 - التحذير من طريقة وأسلوب كثير من المتأخرين في شرح الاصطلاحات:

من طريقة هؤلاء كثرة التدقيق والمناقشات في الحدود والتعريفات والألفاظ والعبارات؛ ولقد كانت هذه المسالك، ولم تزل، من أضر المسائل على أهل العلم، ومن أقوى الأمور التي وعرت طريق المعرفة على الناس؛ وكان الاشتغال الزائد بذلك كله سبباً في التقصير في تحقيق القواعد وفي استقراء ما يكون سبباً في التوصل إلى العلم النافع الصحيح.

إن التدقيق في الإبانة وتعاني الإيضاح ودفع أسباب اللبس وعلل الوهم والإيهام أمور مطلوبة بلا هوادة؛ ولكن عندما تنسى المقاصد بسبب الوسائل وتترك العناية بالمعنى لأجل لفظ بعض شراحه فهذا هو الخلل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015