ما قالوه ببعضه، وإما إن ناقش المتأخر منهم المتقدم فعسى أن يقع في مناقشته له ما لا يستغني عن معرفته كثير من طالبي هذا العلم.
15 - بيان صعوبة استقراء معاني كل أو معظم المصطلحات الحديثية:
إن معرفة معاني مصطلحات كل إمام من أئمة الحديث على سبيل التحقيق والتفصيل، أمر فيه من الصعوبة والغموض ما يعجز – بسببه – عن بعضه أكثر العلماء، فلا بد من أن يشارك في هذا الباب كثير من العلماء وطلاب العلم والمدرسين والطلاب في الجامعات ونحوها.
ولا بد، أيضاً، من التخصص في البحث أحياناً، كأن يختص الدارس ببعض مصطلحات المحدثين أو بمصطلحات بعض المحدثين.
ولا بأس من أن يتوارد على العمل الواحد أكثر من باحث، فإذا تكررت دراسة موضوع بعينه من قبل اثنين من الطلبة أو أكثر، فعسى أن يكون مجموع ما صنعوه أقرب إلى الشمول والاستيعاب، وأن يكون الواقف على دراساتهم أكثر معرفة لحقائق المسائل وأكثر إحاطة بدلائلها، وأكثر تمكناً من اعتبار بعض ما قالوه ببعضه، وعسى أن يناقش المتأخر منهم المتقدم فيقع في مناقشته له ما لا يستغني عن معرفة كثير من طالبي هذا العلم.
16 - بيان أفضل طرق استقراء المصطلحات:
أصح وأنفع وأسرع طرق الاستقراء أن يبدأ الباحث بجمع ما بينه الناقد نفسه من كلماته، فإنه عظيم الفائدة في هذا الباب ولا سيما الكلمات التي بينها بياناً شافياً.
ثم يثني بالكلمات التي دل على معناها عنده أحكامه العملية مثل كثرة احتجاجه بالرواة الذين قال هو فيهم: (لا بأس بهم)، ومثل كثرة تصحيحه لأحاديث الرواة الذين وصفهم بلفظة (صدوق)، من غير أن يأتي عنه – أي في الحالتين المضروبتين مثلاً - ما يخالف ذلك، ولا عبرة بالمخالفة النادرة؛ فالقواعد والاستقراءات لا تبنى على النادر، فإنه لا حكم له، وإن كان لا يصح – عند الاستقراء – أن يهمل النظر والتدبر لمقتضيات تلك الأمور النادرة؛ ولكن المقصود أن الأصول والقواعد تبنى على الكثير ثم القليلِ المعتبر، دون الشاذ والنادر؛ فإنه لا دخل له في بناء الأصول، بل هو داخل في تكميلاتها وتفصيلاتها واستثناءاتها.
ثم بعد ذلك يصير إلى استقراء معاني أقوال الناقد في الرواة المتفق عليهم، المشهورة أحوالهم.
ثم بعد ذلك ينتقل إلى استقراء وتحقيق أحوال الرواة الذين أطلق ذلك الناقد فيهم كلمات معناها محدد أو قريب من التحديد، أي كلمات غير فضفاضة ولا تحتمل معان متعددة، مثل كلمة (حديثه صحيح)، وكلمة (لا يحتج به) وكلمة (متروك)، وكلمة (أحاديثه منكرة).
ثم بعد ذلك يشرع بمقارنة اصطلاحاته باصطلاحات المعتدلين الذين علمت اصطلاحاتهم واشتهرت معانيهم عنها.
فبهذه الأنواع من الاستقراء تتبين أصول مذهب ذلك الناقد في معاني مصطلحاته، ومقاصد عباراته، ويطلع حاجب شمسها؛ وتلوح معالم أُسِّها؛ ثم بعد ذلك التمهيد والتأسيس وفتح الباب الذي كان مغلقاً يسهل الطريق ويتسع على من يريد التوسع والتدقيق والتكميل والتفريع، فما عليه إلا التوسع في الاستقراء والتدقيق وإكمال بناء الفروع على أصولها وتشييد الأركان على أسسها؛ مبتدئاً باستقراء الأقرب إلى ما تم استقراؤه، وباستقراء الأوضح في معناه؛ لتكون هذه وتلك أصولاً لفروع جديدة، وتلك الفروع تكون – بدورها – أصولاً لفروع أخرى هي الأقرب إليها؛ وهكذا يستمر الاستقراء إلى أن يبلغ منتهاه، ويحصل المقصود منه.
17 - بيان الأصل في معاني المصطلحات:
كل مصطلح لم يتبين فيه معنى خاص أو استثنائي في حق أي ناقد، فمعنى ذلك أنه على الأصل، أي أن معناه عنده هو معناه عند الجمهور.
18 - بيان حاجة كثير من المصطلحات إلى التحقيق في معانيها:
إن كثيراً من عبارات الجرح والتعديل يُعْوِزها التحقيق في معانيها وإن كثيراً من تلك العبارات يختلف معناها من عالم إلى آخر؛ وقد تواتر التنبيه إلى هذا المعنى ونحوه، في كلام العلماء والدارسين، فلقد أبان غير واحد من الأئمة المتقدمين والعلماء المحققين وغير واحد من الباحثين المعاصرين البارعين عن شدة الحاجة إلى استقراء مصطلحات علماء الحديث وكشف دقائق الفروق بين معانيها عندهم وتخمين المواضع التي يخرجون بها عن المشهور من اصطلاحهم، واتباع أصح المسالك في معرفة معاني مصطلحات القدماء، وتصحيح ما وقع من المتأخرين من سوء فهم لمصطلحات السابقين أو إخلال في شرحها؛ كما بين غير واحد منهم قليلاً أو
¥