وقال أيضا (إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثا لا يصاب إلا عند الرجل الواحد ـ لم يضره أن لا يرويه غيره، إذا كان متن الحديث معروفا، ولا يكون منكرا، ولا معلولا) (3)

وتكلم الحاكم على الحديث الشاذ فقال (هو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راو ٍ، أو أرسله واحد فوصله واهم، فأما الشاذ فإنه الحديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة) (4)

وذكر الخليلي تعريف الشافعي وجماعة من أهل الحجاز للشاذ بأنه ما يرويه الثقات على لفظ واحد، ويرويه ثقة خلافه زائدا، أو ناقصا، ثم قال ((والذي عليه حفاظ الحديث: الشاذ: ما ليس له إلا إسناد يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة، فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به)) (5)

فهذه النصوص أقل ما يستفاد منها أن كبار النقاد يتوقفون في بعض ما يتفرد به الثقة، وربما صرحوا برده ونكارته، وعملهم بذلك يدل على ذلك أيضا، فلا يحصى ما استنكره النقاد مما يتفرد به الثقات، وربما احتاج الناقد منهم لإذهاب ما في نفسه من تفرد الراوي أن يحلفه على السماع، مع أنه ثقة متثبت، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم ((سمعت أبي وذكر حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته) قال شعبة استحلفت عبد الله بن دينار: هل سمعتها كذا من ابن عمر؟ فحلف لي، قال أبي: كان شعبة بصيرا بالحديث جدا، فهما فيه، كان إنما حلفه لأنه كان ينكر هذا الحديث، حكم من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد، لم يرو عن ابن عمر أحد سواه) (6)

ولذلك كان شعبة يعد هذا الحديث مع ثلاثة أخر رأس ماله (7)

وهذا المعنى المتقدم ـ وهو أن الثقة ومن في حكمه قد يستنكر عليه بعض ما يتفرد به ـ وهو المراد بقولهم في تعريف الحديث الصحيح، والحسن: (ألا يكون شاذا) فالشذوذ هنا هو التفرد مع مع ترجيح خطأ الراوي)

ومن الأمثلة على استنكارهم ما يتفرد به الثقة ومن في حكمه:

ما رواه عبد الله بن أحمد قال قال أبي: (قال أبو خيثمة: أنكر يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ حديث حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم محرما صائما) قال أبي أنكراه الأنصاري على محمد بن عبد الله) (8)

ونقل نحو هذا عن أحمد أيضا مهنا بن حرب، قال سألت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم) فقال: ليس بصحيح، وقد أنكره يحيى بن سعيد [على] الأنصاري. (9)

ونقل الأثرم عن أحمد سبب خطأ الأنصاري، قال (سمعت أبا عبد الله رد هذا الحديث فضعفه، وقال: كانت كتب الأنصاري ذهبت في أيام المنتصر، فكان بعد يحدث من كتب غلامه وكان هذا من تلك) (10)

وكذا استنكره النسائي، فقال بعد أن أخرجه (هذا منكر، لا أعلم أحدا رواه عن حبيب غير الأنصاري ولعله أراد (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة ... ) (11)

الحواشي =======================================

(1) الكفاية ص 142

(2) رسالة ابي داود إلى أهل مكة في وصف سننه، ص 29

(3) شرح علل الترمذي (2/ 653ـ654)، وانظر التعديل والتجريح للباجي (1/ 302)

(4) معرفة علوم الحديث ص 119

(5) الإرشاد (1/ 176)

(6) الجرح والتعديل (1/ 170) وانظر (1/ 164،163) والمعرفة والتاريخ (2/ 703)

(7) الجامع لأخلاق الراوي (1/ 225)

(8) العلل ومعرفة الرجال (2/ 82)

(9) فتاوى ابن تيمية (25/ 252)، وما بين لعكوفين زيادة لابد منها

(10) فتاوي ابن تيمية (25/ 252)

(11) السنن الكبرى حديث رقم 3231، وأخرجه الترمذي 776، وأحمد (1/ 315) غير أنه عند الترمذي (احتجم وهو صائم)، وعند أحمد (احتجم وهو محره)

(يتبع إن شاء الله

ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[26 - 06 - 02, 08:57 م]ـ

وفقك الله أخي خالد.

وبارك الله في الشيخ اللاحم.

هل لمجلّة الحكمة موقع على الشبكة؟

ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[27 - 06 - 02, 01:06 ص]ـ

أخي هيثم وبارك الله فيك

أنا لا أعرف لهم موقعا على الشبكة

ولكن هذا بريدهم الالكتروني alhikma59@hotmail.com

الحلقة الثانية:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015