قوله: «ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله»، ظاهر عبارته أنه لم يحترز به إلا عمن ثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وليس ذلك مراداً له، لأنه لو أراده لدخل في هذه المرتبة حينئذ كل مقل غير متروك، سواء كان ضعيفاً يستشهد به أو صدوقاً أو ثقة، لأن كل هؤلاء غير متروكين؛ وهذا باطل قطعاً، لأن هذه الأوصاف الثلاثة لها عند ابن حجر في التقريب – كما هو معلوم – مراتب أخرى غير هذه المرتبة؛ نعم هناك تقارب في الحكم أو اشتراك فيه بين مرتبتي المقبول والضعيف أي الذي يستشهد به، وذلك أن كلاً منهما يتقوى حديثه بالطرق والمتابعات.

الوجه الخامس

أكثر ابن حجر من اطلاق كلمة (مقبول) على مجاهيل التابعين الذين لم ير في حديثهم ما يستنكره، وكذلك فعل في حق كثير من شيوخ أصحاب السنن وكثير من المجاهيل الذين انفرد بتوثيقهم ابن حبان أو العجلي.

الوجه السادس

من عادة ابن حجر أنه إذا ورد في الراوي المقل توثيق من إمام معتدل، ولم يرد ما يعارضه فإنه يوثقه، وأما إذا كان في ذلك الإمام نوع من التساهل في إطلاق كلمة (ثقة) على الصدوق ونحوه كالخطيب ومسلمة بن قاسم الأندلسي وأبي علي الجياني، فإن الغالب على ابن حجر عندئذٍ أن ينزل بذلك الراوي إلى رتبة الصدوق.

الوجه السابع

المقل إذا ثبت ضعفه كان أقرب إلى الترك، فإنه تؤثر فيه القوادح ما لا تؤثره في المكثر؛ وقد أشار إلى هذا أو جرى عليه كثير من الأئمة.

الوجه الثامن

الأصح والأحسن في نقد المتون الواردة بأسانيد لينة غريبة عارية عن المتابعات أن توصف بأنها متون ضعيفة، ولا يحسن الاقتصار في وصفها على كلمة (لينة)، فإن في ذلك إيهاماً ومخالفة لاصطلاح جمهور العلماء، ولا سيما المتأخرين منهم، فإنهم قسموا السنن إلى صحيحة وحسنة وضعيفة، وضعيفة جداً وموضوعة (7).

وأهم خلاصات هذا البحث: هو أن قول ابن حجر (السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول) حيث يتابع، وإلا فلين الحديث) تقديره، بل معناه هو:

المرتبة السادسة: مرتبة من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يأت فيه توثيق معتبر، أو لم يرد فيه توثيق أصلاً، ولم يرد في أحاديثه أو في كلام النقاد عليه ما يترك من أجله، وإليه الإشارة بلفظ (مقبول)، ومعنى هذه اللفظة، أن حديثه الذي يتابع عليه متابعة معتبرة يكون مقبولاً أي ثابتاً، وحديثه الذي لم يتابع عليه يكون ليناً أي مردوداً، ولكن ذلك الحديث في أعلى درجات الضعف، أي أقربها إلى درجات القوة والثبوت.

والله أعلم؛ والحمد لله رب العالمين.

------------------------------------------

الهوامش:

(1) أعني في قوله (ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله).

(2) فمن قال فيه (مقبول) فهو عنده لين الحديث ـ أي مردود الحديث ـ عند الانفراد، ومقبول الحديث ـ أي حسن الحديث ـ عند المتابعة المعتبرة.

(3) قال الدكتور أحمد معبد في هامش (النفح الشذي) (1/ 203): «واصطلاحه في هذا الكتاب [يعني ابن حجر في التقريب] لا يفيد أن من قال عنه (مقبول) يكون حديثه حسناً لذاته».

وقال عبد الله بن يوسف الجديع في تعليقه على (المقنع) لابن الملقن (1/ 285): «هي مرتبة لاحقة بمراتب التعديل، حيث يصلح حديث من هذا وصفه للاعتبار، أما ما ينفرد به فهو لين، وهذا ينقله الى الجرح؛ فإذن (لين الحديث) أخف مراتب الجرح».

(4) وابن حجر ما حكم على رواة هذه المرتبة بكلمة (مقل) ليطالب الآخرين بالنظر في كل راو منهم عند الكلام عليه أو على شيء من أحاديثه ليعلم أهو مقبول أو لين؛ وكذلك هو لم يقسم رواة هذه المرتبة قسمين الأول مقبول والثاني لين الحديث؛ وإنما هو قسم واحد وصفه بقوله مقبول، وقد شرح حكمها.

(5) ذكر ابن حجر في مواضع من (التقريب) رواة وصفهم بلفظة (لين) أو (لين الحديث)، ولا شأن لهم بالبيان الموجود في هذه المرتبة، فقلب الدكتور وليد رحمه الله المسألة فقال: «حديث لين الحديث عند ابن حجر حسن لذاته، أما إذا اعتضد بالشواهد ارتفع إلى الصحيح لغيره».

وهذا خطأ عجيب لا خفاء به، فكيف يقال في لين الحديث انه حسن الحديث؟!

أي كيف يوصف الحديث اللين بأنه حديث حسن؟!

وهل في المصطلح أو اللغة ما يسوغ هذا؟!

فقد علم الناس ما بين كلمتي (حسن) و (لين) من فروق لغة واصطلاحاً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015