أقول: هذا الاستشكال لا وجه له بحال، وإنه لغريب من مثل هذا الشيخ الباحث، فكل ما هنالك هو أن ابن حجر حكم على رواة هذه المرتبة بكلمة (مقبول) التي معناها عنده ثبوت أحاديثهم عند المتابعة وردها عند الانفراد (4)، وأما المشتغلون بالتخريج فمن كان منهم مجتهداً في حال الراوي فهو إنما ينظر فيه من غير اعتماد على ابن حجر ولا على غيره من المتأخرين، ومن كان مقلداً لابن حجر أو متبعاً له أو معتمداً عليه فليس عليه إلا أن يجمع طرق ذلك الحديث الذي رواه المقبول عند ابن حجر، فإن وجد له متابعة تقويه، وإلا فهو مردود، وهذا واضح جداً. وأما إن وجد المقلد أن ابن حجر قد قال في بعض رواة ذلك الحديث (لين) أو (لين الحديث) فليس عليه إلا أن يكون عارفاً معنى هذا المصطلح عند ابن حجر، والفرق بينه وبين المقبول عنده، أعني عند ابن حجر أيضاً.

فكأن الأستاذ محمد عوامة توهم أن ابن حجر قسم هذه المرتبة السادسة إلى قسمين: أولهما المقبول، وثانيهما لين الحديث؛ وهذا غير واقع، فإنه لم يقله ابن حجر لا تصريحاً ولا تلويحاً، وكيف يقوله أو يذهب إليه مثل الحافظ ابن حجر وهو يعلم ـ وكذلك يعلم غيره ـ أن تقسيم مرتبة معينة من هذه المراتب إلى قسمين لهما حكمان مختلفان ينافي كونها مرتبة واحدة، ويقتضي تفريقها إلى مرتبتين، وهو خلاف الواقع في التقريب، فإن مرتبة المقبول عند المتابعة المردود عند الانفراد مرتبة واحدة وهي السادسة؛ وهذا ظاهر.

وفرْق بين كلمة (لين الحديث) الواردة في سياق ذكر ابن حجر لهذه المرتبة وبيانه لها، وبين وصفه طائفة من الرواة في التقريب بهذه الكلمة أعني (لين الحديث)، أو بكلمة (لين) وحدها، سواء كانت مرادفة في اصطلاحه لكلمة (مقبول) أو مباينة لها (5)؛ فالأولى وصف لحديث الراوي المقول فيه (مقبول) بشرط عدم المتابعة المعتبرة؛ والثانية وصف للراوي أي بالنظر إلى مجموع أحاديثه.

وابن حجر إنما يحكم على الرواة لا على أحاديثهم حديثاً حديثاً، والحكم على الراوي كما هو معروف إنما هو الأصل في الحكم على أحاديثه، وهذا الأصل لا يخرج عنه الناقد إلا إذا وجد من المتابعات ما يزيد الحديث قوة أو يدل على شذوذه وخطئه.

والحاصل أنه لا إشكال في هذه القضية بحمد الله، وأن الحافظ ابن حجر لم يذكر في هذه المرتبة رجالاً يقسمهم قسمين، أو يطالب غيره من المعتمدين على كتابه من الحديثيين بتقسيمهم إلى قسمين، وإنما ذكر فيها رجالاً هم رجال رتبة واحدة، ولكنه أرشد إلى تقسيم أحاديثهم بحسب المتابعة المعتبرة وعدمها إلى قسمين، مقبول أي يعمل به، ولين أي لا يعمل به، والله أعلم (6).

الوجه الثاني

في بيان الفرق عند ابن حجر في تقريب التهذيب

بين كلمة (مقبول) وبقية المصطلحات الدالة على ضعف الراوي مع صلاحيته للاستشهاد به

بين كلمة (مقبول) وتلك المصطلحات عنده فرق من وجه واتحاد من وجه.

فهما يتحدان في أن كلاً منهما تدل على أن من قيلت فيه، يصلح للاستشهاد، ليس متروكاً البتة، ولا صالحاً للحجة عند انفراده؛ وإن كان حديث المقبول أقرب إلى القوة من الآخر وأولى بالتقوية عند المتابعة من الآخر.

ويختلفان من وجه، وهو أن الضعيف الذي يعتبر به هو من ثبت لينه، أي مخالفاته في قدر مما روى، أو ثبتت كثرة غرائبه المؤثرة فيه، أو قال فيه ناقد معتمد ما يقتضي ذلك الحكم؛ وأما المقبول فقد تقدم تعريف ابن حجر له.

الوجه الثالث

حد القلة الواردة في العبارة لم يبينه ابن حجر ولكن بينه الدكتور وليد العاني فقال (ص52): «وقد التزم رحمه الله بهذا أيما التزام، ولقد تتبعت كثيراً من هؤلاء المقبولين فرأيت غالبهم ممن له الحديث الواحد أو الحديثان، وقل منهم من يتناول الثلاثة، أما فوقها فنادر، وقد وجدت أكثر راو [يعني من حيث عدد أحاديثه] أدخله ابن حجر في هذه المرتبة راوياً عنده ستة أحاديث».

الوجه الرابع

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015