والذي يظهر أن كلمة (لين) أو (لين الحديث) من حيث حكمها مساوية تماماً أو مقاربة جداً لكلمة (مقبول)، ولعل ابن حجر فرق بين الراويين في التسمية وإن كانا متساويين في الحكم، لأنهما مختلفان في الصفة، فكأن شرطه في إطلاق كلمة مقبول ـ وقد تقدم بيانه ـ غير حاصل في أولئك الرواة الذين قال فيهم: (لين) أو (لين الحديث) أو (فيه لين)؛ وهذه اللفظة الأخيرة أخف في التجريح، والله أعلم.
(6) قال الدكتور وليد العاني في (منهج دراسة الاسانيد) (ص80): «إن لفظة (لين الحديث) عندما يطلقها أهل النقد من المحدثين في الراوي تفيد ضعفاً يسيراً لا يسقط حديثه بسبب هذا اللين، إلا أن ابن حجر أراد شيئاً آخر بهذا الاصطلاح غير ما أراده سابقوه 000
هناك من الرواة من لم يصل إلى درجات الثقة او الصدق فيقبل ما تفرد به، ولم يهبط إلى درجات الضعف فيسقط حديثه 000 لقد اصطلح ابن حجر في تقريبه أن يطلق على من هذا شأنه (لين الحديث)، ولا مشاحة في الاصطلاح».
ثم وجدت أنني كنت كتبت في بعض دفاتري هذا المعنى ببيان أوضح مما تقدم فرأيت أن أنقله هنا عسى أن يكتمل وضوح هذه المسألة التي هي مظنة أن تشكل على كثير من الناس؛ قلت: (أورد محمد عوامة في (مقدمة التقريب) (ص28) على ابن حجر أنه قال في بعض الرواة (لين الحديث)، مع أنه قد توبع على حديثه، وأن شرطه [يعني في وصف الراوي بكلمة لين الحديث] في التقريب عدم المتابع، وأن يكون فيه كلام لكنه لم يثبت فيه!! فلِمَ لمْ يقل عنه: مقبول؟!
قلت: قال ابن حجر في بيان صفة أصحاب المرتبة السادسة من مراتب التقريب: «السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، واليه الاشارة بلفظ مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث).
وتقدير كلامه الأخير أو معناه هو: وإليه الاشارة بلفظ (مقبول) أي يقبل حديثه عند المتابعة، وإن لم يتابع هذا الذي أقول فيه: (مقبول) في حديث من أحاديثه فهو حديث لين.
وأما كلمة (لين الحديث) التي قالها في جماعة من رجال الكتاب، فانه لم يبين شرطه فيها، ولا دخل لها بمتابعة ولا انفراد، ولها في كتابه نظائر؛ ومعناها يعلم من استقرائها ومن ملاحظة استعمال بقية النقاد لها».
(7) الذي عنيته بالإيهام هو أن متن الحديث إذا وصف بأنه (لين) فإنها كلمة يعلم أنها في سلم النقد فوق كلمة (ضعيف)، فلربما ظن بعض من وقف على ذلك الوصف أن الحديث مرتفع عن مرتبة الضعف وأنه يلزم من ذلك ـ بحسب ظنه ـ أنه مرتفع عن مراتب الرد كلها وأنه مقبول، لأن مرتبة (ضعيف) في نقد الأحاديث هي أقرب مراتب رد الحديث إلى مراتب قبوله، وهو لا يعلم بحسب ما اشتهر من الاصطلاح عند المتأخرين أو المعاصرين مرتبة رد متوسطة بين مرتبتي الحسن والضعيف، فيرى أن مثل هذا الحديث، أعني الموصوف بأنه لين، إن لم يكن حسناً فهو مقارب للحسن، صالح للحجة، ولا يخفى أن الحق خلاف هذا الفهم، والله أعلم.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[14 - 03 - 08, 04:37 م]ـ
شَذَرَاتٌ مِنَ الْمَنْهَجِ الْمَأْمُولِ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولْ
ـــ،،، ـــ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِاللهِ حَوْلِي وَاعْتِصَامِي وَقُوَّتِي ... وَمَالِيَ إِلاَّ سِتْرُهُ مُتَجَلِّلا
فَيَا رَبِّ أَنْتَ اللهُ حَسْبِي وَعُدْتِي ... عَلَيْكَ اعْتِمَادِي ضَارِعَاً مُتَوَكِّلا
الْحَمْدُ للهِ تَعَالَى، وَالصَّلاةُ الزَّاكِيَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْمُصْطَفَى تَتَوَالَى.
وَبَعْدُ ..
اعْلَمُ عَنْ يَقِينٍ وَاسْتِقْرَاءٍ تَامٍّ لِتَحْقِيقَاتِ الْكَثِيرِينَ مِنْ رُفَعَاءِ وَقْتِنَا: أَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي أَذْهَانِ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ مَا أَوْدَعُوهُ مُصَنَّفَاتِهِمْ، وَتَابَعَهُمْ عَلَيْه أَكْثَرُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: أَنَّ حَدِيثَ الْمَقْبُولِ ضَعِيفٌ إِذَا تَفَرَّدَ وَلَمْ يُتَابَعْ، كَذَا زَعَمُوا، وَذَلِكَ لِتَقْرِيرَاتٍ أَخْطَأَ وَاضِعُوهَا فِي فَهْمِ مُرَادِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ مُصْطَلَحِهِ ذَا.
¥