الأول: احتمال أن يروي أحياناً عن بعض من يحتاج إلى الرواية عنه من الضعفاء.

جاء في (شرح علل الترمذي) لابن رجب (1/ 385): «قال [أحمد] في رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: قد يحتاج الرجل يحدث عن الضعيف، مثل عمرو بن مرزوق، وعمرو بن حكام، ومحمد بن معاوية، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن إسرائيل؛ ولا يعجبني أن يحدث عن بعضهم.

وقال في روايته أيضاً وقد سأله: ترى أن نكتب الحديث المنكر؟ قال: المنكر أبداً منكر، قيل له: فالضعفاء؟ قال: قد يُحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتابة عنهم بأساً».

وقال المعلمي في التنكيل (2/ 155): «000 لأن المحدث قد يمتنع عن الرواية عن شيخ ثم يضطر إلى بعض حديثه».

الثاني: احتمال أنه قد يغفل أحياناً عن شرطه.

الثالث: احتمال أن يتساهل أحياناً فيروي عن الضعيف ما هو عالٍ من طريقه، أو ما هو ثابت عنده من غير طريقه.

الرابع: احتمال أن يكون شرطه هذا متأخراً عن بداية تحديثه، كأن يروي عن الثقات وغيرهم مدة من الزمن ثم يبدو له أن لا يروي إلا عن ثقة، فيفعل، ثم يصرح بشرطه فيقول: أنا لا أروي إلا عن ثقة؛ من غير بيان لما سبق منه من منافاة هذا الشرط.

الخامس: احتمال أن يروي عمن يظنه ثقة، ثم يتبين له مؤخراً أنه ليس كذلك، فيتوقف عن الرواية عنه؛ ولكن لم يبلغنا تصريحه بذلك التوقف.

والحاصل أن هذه المسائل ونحوها مانعة من إطلاق التوثيق التام وتعميمه وموجبة لحمله على التغليب دون التعميم.

6 - إذا روى من قيل أنه لا يروي إلا عن ثقة، عمن صرح هو أو غيره بضعفه، قدم ذلك التجريح القولي على هذا التعديل الضمني المدعى؛ إلا إذا قامت قرينة بينة على ضد ذلك.

قال المعلمي في (التنكيل) (ص660): «والحكم فيمن روى عنه أحد أولئك المحتاطين أن يُبحث عنه؛ فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبين أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقاً، وإن وجد أن غيره قد جرحه جرحاً أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح، وإلا فظاهر روايته عنه التوثيق».

7 - إذا جهل الراوي أحدُ كبار النقاد، وروى عنه من قيل أنه لا يروي إلا عن ثقة، فالأصح التوقف والنظر إلى أن يحصل الوقوف على دلائل ما يستحقه من حكم.

8 - إن عدد من قيل أنهم لا يروون إلا عن ثقة قليل جداً بالنسبة لمجموع الرواة فهم لا يتجاوزون مئة بحال من الأحوال؛ قال المعلمي في التنكيل (ص376 - 377): «بل عامة المحدثين يكتبون عن كل أحد إلا أن منهم أفراداً كانوا يتقون أن يرووا إلا عن ثقة، ويكتبون عن الضعفاء للمعرفة كما مر في ترجمة الإمام أحمد من نظره في كتب الواقدي».

9 - إذا ثبت أن الراوي كان لا يروي إلا عن المقبولين الأقوياء، فذلك إنما يكون خاصاً بشيوخه لا يتعداهم إلى من فوقهم، فيجب قصر التقوية بتلك الروايات على شيوخه فيها؛ قال المعلمي في (التنكيل) في ترجمة أبي عبد الرحمن أحمد بن عبد الله (ص320 - 322):

«في باب (الإمام ينهض بالركعتين) من (جامع الترمذي): (قال محمد بن إسماعيل [البخاري]: ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه لأنه لا يُدْرَى صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً).

والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله: (لا أروي عنه) أي بواسطة، وقوله: (وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً) يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة؛ وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأَن لا يروي عنه بلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة».

10 - قد ادعى جماعة من المتأخرين في جماعة من الرواة بأنهم لا يروون إلا عن ثقة وأطلقوا ذلك مع أنهم قد ثبت أنهم يروون عن الثقة وغيره؛ فينبغي عدم الركون إلى التقليد في هذه الدعاوى إلا ما كان منها صادراً من أهل العلم المتثبتين.

11 - مما يوجب استثناء بعض شيوخ الراوي الموصوف بأنه لا يروي إلا عن ثقة أن نجد ذلك الشيخ مكثراً، ثم نجده يقتصر فيما يرويه عنه على أخبار يسيرة في الترغيب والترهيب ونحوهما، أو يُقلُّ عنه جداً فيما عدا ذلك، ولكن هذا الاستثناء مشروط بأمرين:

الأول: أن تقوم القرائن على تمكن ذلك الراوي من الإكثار عن ذلك الشيخ.

الثاني: أن لا يتضح أن له في ذلك الإقلال عذراً، غير ضعف ذلك الشيخ، مسوغاً لإقلاله عنه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015