ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[12 - 10 - 05, 04:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاطر الأرض والسماوات، عالم الغيب والجليات، وصلى الله على صدر الرواة وبدر الثقات، نبينا محمد الذي ختمت به الرسالات والنبوات، وعلى صحبه أولي الأخلاق الطاهرات والمناقب الظاهرات، وعلى من تبعهم من المحسنين إلى يوم الدين، وبعد.
فقد وُصف عدد من المحدثين أو الرواة بأنهم لا يروون عن الضعفاء أو بأنهم لا يروون إلا عن ثقة أو بأن شيوخهم ثقات أو أقوياء؛ أو وصفوا بنحو ذلك من العبارات.
وقد جمعت في هؤلاء جزءاً، ذكرت فيه كل من وردت في حقه مثل هذه الدعاوى، وناقشت كل دعوى أو علقت عليها بما يناسب؛ وقدمت بين يدي ذلك تمهيداً ذكرت فيه أهم أحكام هذه المسألة، وبعض تفاصيلها، وتنبيهات على أهم متعلقاتها؛ ودونك نسخة من ذلك التمهيد:
1 - ثبت عندي بالاستقراء الكافي أنه لا يصح الاعتماد على قول ناقد في راو غير صحابي (إنه لا يروي إلا عن ثقة) لتوثيق جميع شيوخه توثيقاً تاماً. ومن استثنى أحداً من المحدثين لم يصب.
2 - إن كون راو من الرواة موصوفاً بأنه لا يروي إلا عن ثقة، إنما يكون ذلك على سبيل التغليب والظن الراجح، فلا يمنع أن يوجد بين شيوخه من هو ضعيف أو متروك أو مجهول.
3 - إذا قال الناقد في راو أنه لا يروي إلا عن ثقة، فإن كلامه هذا فيه من جهة تعيين الحاكم بالتوثيق ثلاثة احتمالات:
الأول: أن يكون الحاكم بتوثيق شيوخ ذلك الراوي هو الراوي نفسه فيصرح أنه لا يروي إلا عن ثقة عنده.
الثاني: أن يكون الحاكم بتوثيق شيوخ ذلك الراوي هو ذلك الناقد نفسه؛ فيكون معنى عبارته أن ذلك الراوي لا يروي إلا عن ثقة عند ذلك الناقد.
الثالث: أن يكون الحاكم بالتوثيق ناقداً آخر ثم تبعه هذا الناقد؛ وهذا كما لو صرح الخطيب البغدادي مثلاً بأن يحيى القطان لا يروي إلا عن ثقة وهو تابع في هذا القول لأحمد بن حنبل مثلاً ومقلد له فيه، فيكون معنى كلامه على الحقيقة هو أن يحيى القطان لا يروي إلا عن ثقة عند الإمام أحمد.
ومعلوم أنه لا يلزم من توثيق ناقد لراو أن يكون ثقة عند غيره أيضاً.
وعلى الاحتمال الأول فإن من ينفرد بالرواية عنه من قيل أنه لا يروي إلا عن ثقة فإن ذلك التوثيق لا يقبل لأنه في أحسن أحواله بمثابة قوله (حدثني الثقة).
ولكن قوله (حدثني الثقة) فيه تصريح بتوثيق شيخه عموماً، ولعل فيه - إن كان الراوي من النقاد – توثيق شيخه في تلك الرواية بعينها.
وأما قوله (حدثني فلان بن فلان) أي يسمي شيخه، فهذا أعلى من قوله (حدثني الثقة) من جهة وأخفض من جهة أخرى؛ فهو أعلى، من جهة كونه مجهولاً عندنا، وهو أخفض، من جهة احتمال أن تلك القاعدة أغلبية فيها تساهل في مرتبة التوثيق، وفيها تساهل حتى في بعض الضعفاء أحياناً، ففيها استثناءان اثنان.
4 - إذا صرح راو أو ناقد في راو: بأنه لا يروي إلا عن ثقة؛ فكلمة (ثقة) تحتمل هنا أن يراد بها العدل الضابط التام الضبط، وتحتمل أن يراد بها كل مقبول في الجملة، فتشمل مع رواة الأحاديث الصحيحة رواة الأحاديث الحسنة ومن قاربهم. وهذا هو الغالب من معنى هذه العبارة، أعني قولهم فلان (لا يروي إلا عن ثقة).
قال المعلمي في التنكيل (ص586 - 587):
«إن قول المحدث (رواه جماعة ثقات حفاظ)، ثم يعدهم - لا يقتضي أن يكون كل من ذكره بحيث لو سئل عنه ذاك المحدث وحده لقال (ثقة حافظ) -----.
ونحو هذا قول المحدث (شيوخي كلهم ثقات) أو (شيوخ فلان كلهم ثقات) فلا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده على الاطلاق (هو ثقة)؛ وإنما ذكروا الرجل في جملة من أطلقوا عليهم (ثقات) فاللازم أنه ثقة في الجملة، أي له حظ من الثقة.
وقد تقدم في القواعد أنهم ربما يتجوزون في كلمة (ثقة) فيطلقونها على من هو صالح في دينه وإن كان ضعيف الحديث أو نحو ذلك.
وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم ضعفاء وإنما اللازم أن له حظاً من الضعف كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء كثيراً من الثقات الذين تكلم فيهم أيسر كلام».
5 - إذا صرح الراوي بأنه لا يروي إلا عن ثقة، فإن هذا القول منه يحمل على الأعم الأغلب، ولا يصح أن يعد نصاً في حق كل واحد واحد من أفراد شيوخه؛ وذلك للاحتمالات التالية:
¥