وأما الغفلة اليسيرة فلا تؤثر في الراوي حيث وُصف بها بعض الثقات ولم تقدح فيهم، ومن هؤلاء محمد بن جعفر فقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: (كان من خيار عباد الله على غفلة فيه) ()، لكن لا يضره ما قد نُسِب إليه من الغفلة، إذ لم تكن مؤثرة في تحمله وأدائه، يدل على ذلك مبالغة الأئمة في توثيقه لاسيما في شعبة كقول عبدالرحمن بن مهدي: (غندر في شعبة أثبت مني)، وقول يحيى بن معين: (كان من أصح الناس كتاباً، وأراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر عليه)، وكذا احتجاج الإمامين البخاري ومسلم به في صحيحهما ().
3/ كثرة الوهم:
والمراد بالوهم: أن يروي الراوي على سبيل الخطأ والتوهم فيصل الإسناد المرسل ويرفع الأثر الموقوف ونحو ذلك ().
فالراوي الذي وُصف بالوهم هو من يتحدث على التوهم فلا يكون ضابطاً لحديثه وإنما توهم توهماً ().
ويعرف حصول الوهم بجمع الطرق والمقارنة بينها من حيث الوصل والإرسال، ومن حيث الرفع والوقف، وغير ذلك ().
مثل أشعث بن سوَّار الكندي، قال عنه ابن حبان: (فاحش الخطأ، كثير الوهم) ()، وقال العجلي: (لا بأس به وليس بالقوي) ().
ومثله عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، قال عنه ابن حبان: (كان سيء الحفظ كثير الوهم، فاحش الخطأ)، وقال أحمد بن حنبل: (ليس بذاك)، وقال: (حديثه إلى الضعف ما هو) ().
4/ كثرة التفرد بما لايتابع عليه:
وقد طعن بهذا في جملة من الرواة منهم الحسن بن الحكم النخعي، قال عنه ابن حبان: (يخطيء كثيراً ويهم شديداً لايعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد)، وكذا طريف بن شهاب السعدي، قال فيه ابن حبان: (كان مغفلاً، يهم في الأخبار حتى يقلبها، ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات) ().
القسم الثاني: خوارم خاصة تؤثر في بعض مرويات الراوي دون بعض (سوء الحفظ الطارئ):
1/ سوء التحمل أو الأداء، ويدخل ضمن ذلك:
سوء التحمل أو الأداء عن بعض الشيوخ:
فمثال سوء التحمل قبيصة بن عقبة السوائي ممن قدح في روايته عن بعض الشيوخ لصغره وقت التحمل، فقد تكلم بعض أئمة الحديث في مروياته عن الثوري، قال يحيى بن معين: (قبيصة ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان ليس بذاك القوي، فإنه سمع منه وهو صغير)، وقال حنبل بن إسحاق لأحمد بن حنبل: (فما قصة قبيصة في سفيان؟ فقال أبوعبد الله: كان كثير الغلط، قلت له: فغير هذا؟ قال: كان صغيراً لا يضبط، قلت له: فغير سفيان؟ قال: كان قبيصة رجلاً صالحاً ثقة لا بأس به)، وقال صالح بن محمد الحافظ: (كان رجلاً صالحاً إلا أنهم تكلموا في سماعه من سفيان) ().
ومثال سوء الأداء حماد بن سلمة البصري، فقد حكم بضعف روايته عن بعض شيوخه، قال يعقوب بن شيبة: (حماد بن سلمة ثقة، في حديثه اضطراب شديد، إلا عن شيوخ، فإنه حسن الحديث عنهم، متقن لحديثهم، مقدم على غيره فيهم) ().
وكذا عطاء بن السائب ممن ضُعِّف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم، قال شعبة لابن علية: (إذا حدثك عطاء بن السائب عن رجل واحد فهو ثقة، وإذا جمع فقال زاذان وميسرة وأبو البختري فاتقه، كان الشيخ قد تغير) ().
سوء التحمل أو الأداء في بعض الأمكنة دون بعض:
فمثال سوء التحمل من سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط كعبد الرزاق بن همام، قال أحمد في رواية الأثرم: (سماع عبد الرزاق بمكة من سفيان مضطرب جداً، روى عنه عن عبيدالله أحاديث مناكير هي من حديث العمري، وأما سماعه باليمن فأحاديث صحاح).
وأيضاً من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم، وحدث عن غيرهم فلم يحفظ مثل إسماعيل بن عياش، قال فيه ابن رجب: (إذا حدث عن الشاميين فحديثه عنهم جيد، وإذا حدث عن غيرهم فحديثه مضطرب، هذا مضمون ما قاله الأئمة فيه).
ومثال سوء الأداء من حدث في مكان لم يكن معه فيه كتبه فأخطأ، وحدث في مكان آخر من كتبه فضبط كمعمر بن راشد، قال يعقوب بن شيبة: (سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب، لأن كتبه لم تكن معه).
ويدخل فيه من حدث عنه أهل مصر أو إقليم فحفظوا حديثه، وحدث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه ومن هؤلاء محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب فإن حديث الحجازين عنه
¥