من أصحابه فقط، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره عليه السلام بنقل من حضره، وهم واحد أو اثنان، وفي الجملة عدد لا يمتنع من مثلهم التواطؤ عند خصومنا، فإن جميع الشرائع إلا الأقل راجعة إلى هذه الصفة من النقل، وقد صح الإجماع من الصدر الأول كلهم، ومن بعدهم على قبول خبر الواحد، وهذا برهان ضروري، وبالضرورة نعلم أن النبي r لم يكن إذا أفتى بالفتيا، أو حكم بالحكم يجمع لذلك جميع أهل المدينة، ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا لا يقدر على دفعه ذو حسٌ سليم، وبالله تعالى التوفيق". أهـ

17 - ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث مالك قال: أتينا النبي r ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة، وكان رسول الله r رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا ـ أو قد اشتقنا ـ سألنا عمن تركنا بعدنا؟ فأخبرناه. قال: "ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي".

ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن النبي r أمرهم أن يعلموا أهلهم ما قد علموه منه عليه الصلاة والسلام، فلو لم يكن خبرهم مما يقوم به الحجة، لم يكن لهذا الأمر معنى.

18 - قوله تعالى:} ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بهٍ علمٌ {أي لا تتبعه ولا تعمل به، ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها، ويثبتون لله تعالى الصفات، فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم، وهل يقول هذا إلا مجنون؟!

19 - أن خبر الواحد لو لم يفد علماً لم يُثبِت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض، ويُجعل ذلك دِيناً يُدان به في الأرض إلى آخر الدهر، فهذا الصديق t زاد في الفروض التي في القرآن فرضَ الجَدَّةِ، وجعله شريعة مستقرة إلى يوم القيامة يخبر به محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط، وجعل ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته

بخبر الواحد.

وأثبت عمر بن الخطاب بخبر ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضاً لازماً للأمة، وأثبت ميراث المرأة من زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده، وصار ذلك سرعاً عاماً مستمراً إلى يوم القيامة، وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده، وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفي عنها زوجها بخبر فُريعة بنت مالك وحدها، وهذا أكثر من أن يُذكَر، بل هو إجماعٌ معلومٌ منهم، ولا يقال على هذا، إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعمل بموجبه، ولو جاز أن يكون كذباً أو غلطاً في نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به، وهذا قدحٌ في الدين والأمة.

20 - أخرج الشيخان وغيرهما عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس

إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. فقال ابن عباس: كذب عدو الله! أخبرني أُبيُّ بن كعب قال: خطبنا رسول الله r ... الحديث بتمامه. قال الشافعي في "الرسالة" (ص 442 - 443) معلقاً: "فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أُبي بن كعب عن رسول الله r حتى يُكذِّب امرأً من المسلمين، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله r بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحبُ الخضر". أهـ

فهذه عشرون دليلاً ذكرها ابن القيم وغيره على أن خبر الواحد يفيد العلم، والمقام يحتمل البسط، وفيما ذكرته كفاية لمن أراد الحق، وقد يقول الأستاذ الكاتب: أنت تُلزمني بما لا يلزم، فأنا أقول بأن خبر الواحد يُعمل به في الأحكام الشرعية، ولكن دعواي أنه لا يؤخذ به في العقيدة وليس فيما ذكرته ما يلزمني.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015