أخرجه ابن شيبة (7188) قال: حدثنا وكيع، عن أبي هلال، عن كثر، عن الحسن فذكره.

وهذا إسنادٌ ضعيف بل منكر .. وأبو هلال الراسبي محمد بن سليم

تَعرِفُ وتُنكِرُ. وقد رواه بإسناد صحيح عن الحسن من قوله.

أخرجه عبد الرزاق (3426) عن الثوري، وابن أبي شيبة

(7189، 7186) عن هيثم بن بشير، وإسماعيل بن عُليَّة، ثلاثتهم عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال: يصلون فرادى، وعن عبد الرزاق: وحداناً، قال عبد الرزاق: وبه يأخذ الثوري، وبه نأخذ أيضاً.

فالصحيح: أنه من قول الحسن، وليس فيه ذكر أصحاب النبي r .

فلم يبق إلا ما ذكروه عن بعض التابعين، فيعارضون بمثل عددهم وزيادة من التابعين مثل عُدي بن ثابت، وعطاء بن أبي رباح، ومكحول، وسلم بن عطية، وقتادة، بل نُقِل عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن تُصلى الجماعة بعد الجماعة في مسجد الكلاء بالبصرة.

أخرجه ابن أبي شيبة (7176) قال: ثنا حفص، عن أشعث، عن الحسن، وهذا سند جيد.

بل أظهر الحسن علة لترك إقامة الجماعة الثانية:

فأخرج ابن أبي شيبة (7177) قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور، عن الحسن قال: إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان.

وهذا إسنادٌ صحيح. ووجه هذا الكلام عندي أن الذين كانوا يرغبون عن إمام المسجد هم أهل البدع والأهواء، فخشيَّ أهل السنة إن فعلوا ذلك أن يُظنَّ أنهم من أهل البدع فيوقعون بهم العقوبة.

فهذا يدل على أن أصل المسألة عند الحسن هو الجواز.

ثم وثقت على كلام لابن عبد البر رحمه الله بهذا المعنى، فقال في "الاستذكار" (4/ 64 - 65): "هذه المسألة ـ يعني الجماعة الثانية ـ لا أصل لها إلا إنكار أهل الزيغ والبدع، وألا يُتركوا وإظهار نحلتهم، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة؛ لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام، ثم يأتون بعده، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم، فرأى أهل العلم

أن يُمنعوا من ذلك، وجعلوا الباب باباً واحداً، فمنعوا منه الكل، والأصل

ما وصفتُ لك". انتهى

يعني: من الجواز، وهذا يدلك على أن المنع كان سداً للذريعة.

ونقل ابن حزم في "المحلى" (4/ 237) قول مالك: "لا تُصلَّى فيه جماعة أخرى، أن لا يكون له إمامٌ راتبٌ، واحتج له مقلدوه بأنه قال هذا قطعاً لأن يفعل ذلك أهل الأهواء" ثم ردَّ على ذلك قائلاً: "ومن كان من أهل الأهواء لا يرى الصلاة خلف أئمتنا، فإنهم يصلونها في منازلهم ولا يعتدُّون بها في المساجد مبتدأة أو غير مبتدأة مع إمام من غيرهم، فهذا الاحتياط لا وجه له، بل ما حصلوا إلا على استعجال المنع مما أوجبه الله تعالى من أداء الصلاة في جماعة، خوفاً من أمر لا يكاد يوجد ممن لا يبالي باحتياطهم".انتهى

وقد أبدى البيهقي رحمه الله علة أخرى لكراهة الحسن فقال في "سننه الكبير" (3/ 70):

"كراهية الحسن البصري محمولة على موضع يكون الجماعة فيه بعد أن صُلِّيَ: تفرُّقُ الكلمة".

وقد بوَّب البيهقي على هذا الأثر وغيره بقوله: "باب الجماعة في مسجد قد صُلَّى فيه، إذا لم يكن فيها تفرق الكلمة" وكذلك قال في "المعرفة" (4/ 113).

* قُلتُ: وفي هذا بيان للعلة التي ذكرها الشافعي في كلامه وبنى عليها فتواه بكراهية الجماعة الثانية، وهي خشية أن تتفرق الكلمة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وهذا المعنى مفقود في زماننا هذا، وإن كان ملحوظاً في زمان السابقين، فنحن الآن في زمن تَركَ فيه كثيرٌ من الناس الصلاة، فقلَّ من الناس ـ بسبب الجهل والتفلت ـ من يلاحظ هذا المعنى الذي رآه الشافعي.

ولستُ أُنكِرُ أن تؤدي الإباحة إلى بعض ما كرهه الشافعي، وقد وقع التنبيه على هذا في كلام الشيخ المحدث النبيل أبي الأشبال أحمد شاكر، فقال في حاشيته على "سنن الترمذي" (1/ 431 - 432):

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015