وصعد عثمان المنبر فأرتج عليه فقال: (إن أبا بكر وعمر كانا يُعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون إن شاء الله تعالى)] البيان والتبيين (1/ 324) [والعجيب أن هؤلاء القصاصين لا يروون لعثمان ـ رضي الله عنه ـ غير هذه الخطبة التي يتهمونه فيها بأنه عييٌّ غير بليغ حَصِرٌ غير خطيب! ـ وحاشا أمير المؤمنين ذلك ـ وهو من أشراف قريش ملوك الفصاحة والبيان! وأين خطبه الرنانة التي صدع بها في زمن خلافة التي امتدت سنين؟!
وهذا الخبر باطل وعثمان ـ رضي الله عنه ـ منه براء ويدل على بطلانه أمران:
أولا: ما رواه ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ: ( ... وأما أول خطبة خطبها بالمسلمين، فروى سيف بن عمر بن بدر بن عثمان عن عمه قال:
لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة فأتى منبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صبِّحتم أو مُسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور واعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا أين أبناء الدنيا وإخوانهم الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلا؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلا بالذي هو خير فقال تعالى (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كما أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) قال: وأقبل الناس يبايعونه.)
ثانياً: قوله ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن أورد هذه الخطبة البليغة المؤثرة التي لا تصدر من عيي ولا يقولها حَصِر: وما يذكره الناس من أن عثمان لما خطب أُرتج عليه فلم يدر ما يقول حتى قال: أيها الناس إن أول مركب صعب وإن أعش فستأتيكم الخطبة على وجهها فهو شيء يذكره صاحب العقد وغيره ممن يذكر طرف الفوائد ولكن لم أرَ هذا بإسناد تسكن النفس إليه والله اعلم).] البداية والنهاية (7/ 159) [فهل تصدر هذه الخطبة البليغة من رجل عيي؟! أم أنه التجرؤ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحط من منزلتهم؟!
ثانياً: كذبه على الصحابي الجليل حسان ـ رضي الله عنه ـ
وذكر أن حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ شاعر الأمة والمنافح عن الرسالة بكى حين سمع قينة تغني لأنها شوقته لحياته الجاهلية:
(عن الأصمعي قال: شهد حسان بن ثابت مأدبة لرجل من الأنصار وقد كف بصره ومعه ابنه عبد الرحمن فكلما قدم شيء من الطعام قال حسان لابنه عبد الرحمن: أ طعام يد أم طعام يدين؟ فيقول له طعام يد حتى قدم الشواء فقال له هذا طعام يدين فقبض الشيخ يده فلما رُفع الطعام اندفعت قينة تغني بهم بشعر حسان:
انظر خليلي بباب جلّق هل ... تبصر دون البلقاء من أحد
جمال شعثاء إذا هبطن من الـ ... محبس بين الكثبان فالسند
قال: فجعل حسان يبكي وجعل عبد الرحمن يومئ إلى القينة أن تردد! قال الأصمعي: فلا أدري ما الذي أعجب عبد الرحمن من بكاء أبيه)] العقد الفريد (7/ 7) [
فانظر لهذه الكذبة ما أقبحها! أيعقل أن حسانا يستمع للغناء بعد كل هذه المواقف التي حضرها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأدهى من ذلك أنها في بيت رجل من الأنصار!
ثالثاً: كذبه على ابن عمر ـ رضي الله عنها ـ
ونقل عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه شرب الخمر فحُد: قال صاحب العقد:
(ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب شرب بمصر فحده عمرو بن العاص سرّا فلما قدم على عمر جلده حدا آخر علانية).] العقد الفريد (8/ 62) [
أسألكم بالله أيصدر هذا الفعل ممن كان متمسكا بسنة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد التمسك وكان يتتبع آثاره ويصلي فيها والذي كان إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به وجاد به قربة لله عز وجل!
أيصدر هذا السلوك المشين ممن مكث ستين سنة يفتي المسلمين وكان عمره يوم وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ اثنان وعشرون سنة ومنها إلى أن توفي وهو في جهاد ودعوة!
¥