«وأما فقه الإسناد فهكذا وقع في الطريق الأول: عن حفص عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - مرسلاً، فإن حفصاً تابعي.

وفي الطريق الثاني: عن حفص عن أبي هريرة عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - متصلاً فالطريق الأول رواه مسلم من رواية معاذ وعبدالرحمن بن مهدي وكلاهما (كذا) عن شعبة، وكذلك رواه غندر عن شعبة فأرسله.

والطريق الثاني عن علي بن حفص عن شعبة، قال الدارقطني: الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ وابن مهدي وغندر.

قلت: وقد رواه أبو داود في سننه أيضاً مرسلا ًومتصلاً فرواه مرسلاً عن حفص عن عمر النميري (8) عن شعبة، ورواه متصلاً من رواية علي بن حفص.

وإذا ثبت أنه رُوي متصلاً ومرسلاً، فالعمل على أنه متصل، هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول وجماعة من أهل الحديث، ولا يضر كون الأكثريين رووه مرسلاً، فإن الوصل زيادة من ثقة وهي مقبولة، وقد تقدمت هذه المسألة موضحة في الفصول السابقة والله أعلم.

وأما قوله في الطريق الثاني «بمثل ذلك» فهي رواية صحيحة، وقد تقدم في الفصول بيان هذا وكيفية الرواية به».

قلت: قد تقدم الجواب عن الكلام الأخير بما لا يدعو لتكراره لاسيما وقد أطلتُ فيه جداً، وإنما أردت بيان الدَّخَل في زيادة (عن أبي هريرة) على الأسانيد المرسلة في النسخة التي قام الإمام النووي - رحمه الله - بشرحها.

التنبيه الثاني:

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/ 407 - 408) الحديث مرسلاً، حيث قال: «حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، قال: حدثني خبيب، عن حفص بن عاصم عن النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - – قال: كفى بالمرء كذبا ً أن يحدث بكل ما سمع».

فزاد محققه - عفا الله عنه - بين قوسين معكوفين: [عن أبي هريرة] قائلاً في الحاشية: «زيد من صحيح مسلم 1/ 8 حيث أخرجه عن ابن أبي شيبة».

قلت: لكن عن علي بن حفص المدائني، وليس عن أبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي.

والظاهر أن الوجهين - المرسل والموصول - كانا عنده. ولكن يحترز من هذا الصنيع الذي تكرر من المحقق المذكور في تضاعيف «المصنف» نقلاً و اعتماداً على مصادر روت الحديث بأسانيد لا علاقة لها بالمثبت في الأصل المخطوط.

الثالث:

جاء في حاشية «الإحسان» (1/ 214) - تعليقاً على نفس هذا الحديث -:

«إسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه مسلم (5) في مقدمة صحيحه عن علي بن حفص، ومعاذ العنبري، وعبدالرحمن بن مهدي (!)، وأبو داود (4992) عن علي بن حفص، وابن أبي شيبة (8/ 595) عن أبي أسامة (!)، والحاكم (1/ 112) عن علي بن جعفر المدائني (!)، قالوا خمستهم (!): حدثنا شعبة بهذا الإسناد.

وقد أرسله حفص بن عمرو، وآدم بن أبي إياس، وسليمان بن حرب، فقالوا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -.أخرجه أبو داود (4992)، والحاكم (1/ 112)، و القضاعي (1416)، ولا يضر إرسالهم، فإن الوصل زيادة وهي من الثقات مقبولة.

وله شاهد من حديث أبي أمامة عند الحاكم (2/ 2120) (كذا، والصواب:2/ 20 - 21) وسنده حسن في الشواهد» أهـ.

قلت: في هذا التعليق على الحديث عدة أوهام وتخبطات:الأول: عدّ روايتي معاذ بن معاذ وابن مهدي عند مسلم موصولتين اغتراراً بالغلط الواقع في طبعات «الصحيح»،والذي بينته تفصيلياً.

الثاني: عدَّ رواية ابن أبي شيبة في «المصنف» عن أبي أسامة موصولة أيضاً، اغتراراً بصنيع محقق الكتاب.

الثالث: إعتقاد أن هناك راوياً اسمه (علي بن جعفر المدائني) ممن وصلوا الحديث مع علي بن حفص و الآخرين (!) اغتراراً بالتَّحَرُّف الواقع في «مستدرك الحاكم».

الرابع: عزو روايات حفص بن عمر، وآدم، وسليمان بن حرب المرسلة إلى أبي داود، والحاكم، والقضاعي في «مسند الشهاب»، بينما لم يروه الأخير عن واحد من هؤلاء الثلاثة بل عن محمد بن جعفر الهذلي - غندر- وحده.

نعم، شيخ القضاعي فيه - هبة الله بن إبراهيم الخولاني - لم أقف له على ترجمة، ولكن الرواية ثابتة عن غندر - رحمه الله - فقد جزم الدارقطني في كتابيه، وغير واحد بأنه ممن رووا الحديث عن شعبة مرسلاً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015