فمثلا في طبعة الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي (1/ 10 رقم 5): «وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي (ح) وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص ... » إلخ.
فزيادة (عن أبي هريرة) هنا خطأ من وجوه:
الأول: أن مسلماً - رحمه الله - لو كانت جميع هذه الوجوه عنده موصولة، لأتبع الإسنادين المتقدم ذكرهما بقوله: «(ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص قالوا: حدثنا شعبة ... » إلخ.
وما احتاج أن يفرد الإسناد الثالث ثم يقول في آخره: «بمثل ذلك».
الثاني: أننا نجد جهابذة الأئمة الذين يعتنون ببيان العلل في كتبهم المسندة إذا كان الحديث مختلفاً في وصله وإرساله، أو رفعه وإيقافه؛ نجدهم يبدأون بأحد أوجه الاختلاف ثم يتبعونه بالآخر، أو يسوقون أسانيدهم إلي مَن عليه مدار الحديث، ثم يقولون - بعد رؤيته موصولاً أو مرفوعاً -: «ولم يذكر فلان كذا»، أي لم يذكر الصحابي أو لم يرفع الحديث.
وأضرب المثال بالثاني أولاً لأنه يتعلق بنفس الحديث:
قال الإمام أبو داود (2/ 594):
«حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، (ح) وثنا محمد بن الحسين، ثنا علي بن حفص قال: ثنا شعبة، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، قال ابن حسين في حديثه: عن أبي هريرة أن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - قال: «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع». قال راوي «السنن»: «قال أبو داود: ولم يذكر حفص أبا هريرة. قال أبو داود: ولم يسنده إلا هذا الشيخ، يعني علي بن حفص المدائني».ومثال الأول: قال الإمام أحمد - رحمه الله - في «مسنده» (3/ 143): «حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن يحيى ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أنه قال: (6) «مثَل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أو آخره»
ثم كشف لنا عن علته بأن أتبعه بقوله: «ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت وحميد ويونس عن الحسن أن رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - – قال: «مثل أمتي» فذكره».
الثالث: أن الأئمة الذين عزوا الحديث إلى «صحيح مسلم» قد بينوا أن رواية معاذ بن معاذ وعبدالرحمن بن مهدي عن شعبة مرسلة، كما تقدم عن الدارقطني ويأتي عن النووي والمازري.
الرابع: أن جماعة من الأئمة صرحوا بتفرد علي بن حفص المدائني بوصل الحديث، منهم: أبو داود، والدارقطني، والحاكم كما تقدم، والمازري، والنووي كما سيأتي بإذن الله.
قد يقال: لعل هناك اختلافاً على معاذ وابن مهدي بحيث وقعت رواية مسلم - خاصةً - للحديث موصولة. ولم يقف أبو داود وغيره على هذا.
والجواب: أن ذلك مدفوع بالأوجه المتقدم ذكرها، وأن (عَرش) هذه الزيادة غير مُثَبَّت بل مزعزع ومزلزل!
•قال الحافظ المنذري - رحمه الله - في «مختصر سنن أبي داود» (7/ 281):
«وأخرجه مسلم في المقدمة مسنداً ومرسلاً، وعن بعض رواة مسلم كلاهما مسند، وقال الدارقطني: والصواب مرسل».
•وقال الإمام المازري - رحمه الله - في «المعلم بفوائد مسلم (7)» (ص184): «رواه شعبة، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، أن رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - فأتى به مرسلاً، لم يذكر فيه (أبا هريرة)؛ هكذا رُوي من حديث معاذ بن معاذ، وغندر، وعبدالرحمن بن مهدي عن شعبة.
وفي نسخة أبي العباس الرازي وحده في هذا الإسناد: (عن شعبة، عن خبيب، عن حفص، عن أبي هريرة مسنداً) ولا يثبت هذا».
•وقال الإمام النووي - رحمه الله - في «شرح صحيح مسلم» (1/ 72):
«فيه خبيب بن عبدالرحمن عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)، وفي الطريق الآخر عن خبيب أيضاً عن حفص عن أبي هريرة عن النبي - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - بمثل ذلك».
وقال أيضا بعد قليل (1/ 74):
¥