(3) لا يشك أحدٌ في أن أيام الخلق في هذا الحديث سبعة: بدأت من السبت، وتتابعت حتى انتهت بالجمعة. فمَن قال غير هذا، فقد تكلّف. قال المعلمي رحمه الله (الأنوار 187 - 188): ((ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل على أن خلق آدم كان في الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان. وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً. فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض)). اهـ
فقوله: ((في اليوم السابع)) تأكيدٌ على تعاقب أيام الخلق، فقد وقع في الحديث: ((وخلق آدم عليه السلام بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق)). وهذا التتابع يعارض قوله: ((خَلْق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض))، فصريح الحديث بخلافه.
(4) وأين خلق السماوات من كل هذا؟ قال المعلمي (الأنوار 187): ((يجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء، فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس "النور"، وفي السادس "الدواب". وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة والنور، والحرارة والنور مصدرهما الأجرام السماوية. والذي فيه أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن. والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام، لم يذكر ما يدل أن من جملة ذلك خلق النور والدواب. وإذ ذكر خلق السماء في يومين، لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً. والمعقول أنه بعد تمام خلقها، أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها، والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن)). اهـ
فقوله: ((لم ينصّ على خلق السماء)) إقرار صريح. وأما قوله: ((فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس "النور"، وفي السادس "الدواب")) لا يستقيم من وجهين:
الأول: أن من أعجب العجب اعتبار خلق الدواب داخلاً في خلق السماء! وهذا ينقضه قول الحديث: ((وبث فيها الدواب يوم الخميس)). فقوله: ((فيها)) أي في الأرض، فما دخل السماء هنا؟ وما ساقه رحمه الله في تبرير ذلك لا ينهض. فوضح أن يوم الخميس كان من أيام خلق الأرض، وبقي "النور" هو الإشارة لليوم الوحيد لخلق السماء، ومخالفة ذلك للقرآن بيّنة.
الثاني: أن خلق السماوات لم يكن مقصوراً على النور فقط، بل سوّى الله السماواتِ سبعاً، وأوحى في كل سماء أمرها، وزيّن السماء الدنيا بمصابيح. يقول ربنا جلّ شأنه (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت 11 - 12]. فأين هذا في ذلك الحديث؟
(5) وفي الحديث أن أيام خلق الأرض أكثر من أربعة! فقول المعلمي: ((والذي فيه أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن)) يعارضه الحديث نفسه، لأنه بإخراج النور وآدم، تصير أيام خلق الأرض خمسة لا أربعة!
(6) وبافتراض أن النور إشارة إلى خلق السماء، لصار خلق السماء واقعاً في أثناء أيام خلق الأرض! فقول المعلمي: ((وإذ ذكر خلق السماء في يومين، لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئاً)) يردّه القرآن نفسه، فقد أخبر تعالى أنه بعد أن خلق الأرض وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام، استوى إلى السماء وسوّاهنّ في يومين، ولم يُدخِل خلق هذه في تلك. يقول تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة 29]. ويقول سبحانه (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت 9 - 12].
(7) ونتساءل أيضاً: ما هو المكروه المذكور في الحديث؟ وما وجه تخصيص يوم كامل لخلقه!
فهذه الإشكالات في المتن، مع ما بان لك من حال السند، تجعل الحديث أوهى من أن يُصَحَّح. وقد غالى الألباني وبالغ حينما قال (السلسلة الضعيفة والموضوعة 11/ 812): ((وهو صحيح لا غبار عليه سنداً ومتناً)). اهـ فقد تكلّم العلماء في السند والمتن منذ ابن المديني ونزولاً، فكيف يكون لا غبار عليه!
¥