وبناء على ما تقدم في " الصحيح " من ذكر أصح الأسانيد، فقد ذكر العلماء في بحث " الضعيف " ما يسمي بـ "أوهي الأسانيد " وقد ذكر الحاكم النيسابوري جملة كبيرة من "أوهي الأسانيد " بالنسبة إلى بعض الصحابة أو بعض الجهات والبلدان، وأذكر بعض الأمثلة من كتاب الحاكم وغيره:
أوهي الأسانيد بالنسبة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه " صدقة بن موسي الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر ".
أوهي أسانيد الشاميين " محمد بن قيس المصلوب عن عبيد الله بن زحْر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة3.
أوهي أسانيد ابن عباس رضي الله عنه " السٌّدَّي الصغير محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس " قال الحافظ ابن حجر: " هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب4".
4 - مثاله:
ما أخرجه الترمذي من طريق " حَكيم الأثْرَم " عن أبي تميمة الهَجَيْمي عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " من أتي حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد " ثم قال الترمذي بعد إخراجه " لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة " ثم قال " وَضعَّفَ محمد5 هذا الحديث من قِبَلِ إسناده "6قلت لأن في إسناده حكيماً الأثرم، وقد ضعفه العلماء، فقد قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب " فيه لِيْن ".
5 - حكم روايته:
يجوز عند أهل الحديث وغيرهم رواية الأحاديث الضعيفة والتساهل في أسانيدها من غير بيان ضعفها ـ بخلاف الأحاديث الموضوعة فأنه لا يجوز روايتها إلا مع بيان وضعها ـ بشرطين.
1) أن لا تتعلق بالعقائد،2) كصفات الله تعالى.
3) أن لا تكون في بيان الأحكام الشرعية مما يتعلق بالحلال والحرام.
يعني يجوز روايتها في مثل المواعظ والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك، وممن رٌوي عنه التساهل في روايتها سفيان الثوري وعبدالرحمن بن مَهدي وأحمد بن حنبل
وينبغي التنبه إلى أنك إذا رويتها من غير إسناد فلا تقل فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما تقول: رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو بلغنا عنه كذا وما أشبه ذلك لئلا تجزم بنسبة ذلك الحديث للرسول وأنت تعرف ضعفه.
6 - حكم العمل به:
اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف، والذي عليه جمهور العلماء أنه يستحب العمل به في فضائل الأعمال لكن بشروط ثلاثة، أوضحها الحافظ ابن حجر وهي:
1) أن يكون الضعف غير شديد.
2) أن يندرج الحديث تحت أصل معمول به.
3) أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته،4) بل يعتقد الاحتياط.
7 - أشهر المصنفات التي هي مَظِنَّة الضعيف:
أ) الكتب التي صٌنِّفَتْ في بيان الضعفاء: ككتاب الضعفاء لابن حبان، وكتاب ميزان الاعتدال للذهبي، فأنهم يذكرون أمثلة للأحاديث التي صارت ضعيفة بسبب رواية أولئك الضعفاء لها.
ب) الكتب التي صٌنِّفت في أنواع من الضعيف خاصة: مثل كتب المراسيل والعلل والمٌدْرَج، غيرها ككتاب المراسيل لأبي داود، وكتاب العلل للدارقطني.
_ _ _
المبْحَث الثَاني
المردود بسبب سَقْط من الإسناد
المراد بالسَّقْط من الإسناد:
المراد بالسَّقْط من الإسناد انقطاع سلسلة الإسناد بسقوط راو أو أكثر عمداً من بعض الرواة أو عن غير عمد، من أول السند أو من آخره أو من أثنائه، سقوطاً ظاهراً أو خفياً.
أنواع السقط:
يتنوع السقط من الإسناد بحسب ظهور، وخفائه إلى نوعين هما:
1) سَقْط ظاهر وهذا النوع من السقط يشترك في معرفته الأئمة وغيرهم من المشتغلين بعلوم الحديث،2) ويعرف هذا السقط من عدم التلاقي بين الراوي وشيخه،3) إما لأنه لم يٌدرك عَصْره،4) أو أدرك عصره لكنه لم يجتمع به (وليست له منه إجازة ولا وِجاده) لذلك يحتاج الباحث في الأسانيد إلى معرفة تاريخ الرواة لأنه يتضمن بيان مواليدهم ووفياتهم وأوقات طلبهم وارتحالهم وغير ذلك.
وقد اصطلح علماء الحديث على تسمية السقط الظاهر بأربعة أسماء بحسب مكان السقط أو عدد الرواة الذين أٌسقطوا. وهذه الأسماء هي:
1 - المٌعَلَّق.
2 - المٌرْسَل.
3 - المٌعْضَل.
4 - المٌنْقَطِع.
ب) سَقْط خَفِي: وهذا لا يدركه إلا الأئمة الحَذّاق المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد. وله تسميتان وهما:
5 - المٌدَلَّس.
6 - المٌرْسَل الخفي.
وإليك بحث هذه المسميات الستة مفصلة على التوالي.
¥