وقد جعل المحدثون (ومنهم ابن الصلاح) المسانيد في الدرجة الثالثة بعد الصحيحين والسنن، وممن تكلم على هذه المسألة الحافظ في تعجيل المنفعة، حيث قال: وأصل وضع التصنيف للحديث على الأبواب (أي منهج أصحاب السنن)،أن يقتصر فيه على ما يصلح للإحتجاج أو الإستشهاد بخلاف من رتب على المسانيد فإن أصل وضعه مطلق الجمع، وهذا النص يرجح كتب السنن على كتب المسانيد، ولكن هذا الأمر ليس على إطلاقه، لأن بعض أصحاب السنن، تساهلوا إلى حد ما في الإحتجاج بأحاديث ضعيفة، ومن أبرزهم ابن ماجة، بينما تشدد بعض من صنف على طريقة المسانيد كأحمد، حتى قال شيخ الإسلام بأن شرطه أعلى من شرط أبي داود حيث قال: شرط أحمد في المسند أقوى من شرط أبي داود في سننه، وقد روى أبو داود عن رجال أعرض عنهم أحمد في المسند، وهذا يقتضي أن مسند أحمد أعلى شرطا من سنن ابن ماجة، لأنها أدنى كتب السنن.

سنن أبي داود:

ومن أبرز من تكلم في سنن أبي داود من الباحثين المصريين، الدكتور / عادل عبد الغفور حفظه الله، وأنقل هنا كلامه بتصرف، مع إضافة بعض الزيادات:

بداية نذكر كلام أبي داود في رسالته الشهيرة إلى أهل مكة، وفيها يبين منهجه في سننه، حيث قال: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، وما كان في كتابي هذا فيه وهن شديد بينته وليس فيه عن رجل متروك الحديث شيء وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض، والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه.

نقد العلماء لنص أبي داود:

كلام ابن الصلاح:

وقد سار فيه طبقا للقاعدة التي اعتمدها (وهي منع إجتهاد المتأخرين في الحكم على الأحاديث)، فقال:

o بأن ما صححه غيره من الأئمة المتقدمين (بأن يرد الحديث في كتاب يشترط الصحة كالصحيحين، أو يرد الحكم بصحته في كتاب يحكم مصنفه على الأحاديث كجامع الترمذي) فهو صحيح.

o وأما ما سكت عنه أبو داود (وهو ما عبر عنه بقوله: وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح)، فهو متردد بين الصحة والحسن ولذا فإننا نحكم عليه بالحسن إحتياطا، إلا إذا ورد ما يرفعه إلى مرتبة الصحة، وهذا أصل المقولة الشهيرة بأن: (ما سكت عنه أبو داود فهو حسن) وقد وافق المنذري ابن الصلاح في هذه المسألة.

وقبل مناقشة ابن الصلاح، لابد من ذكر أقسام الحديث عند أبي داود، طبقا لكلامه في رسالته لأهل مكة وهي:

o الصحيح وما يشبهه ويقاربه

o الذي به وهن غير شديد

o الذي به وهن شديد

ونلاحظ من كلام أبي داود أنه لم يبين إلا القسم الثالث فقط وعلى هذا يكون ما سكت عنه أبو داود ليس الحسن فقط (كما قال ابن الصلاح) وإنما النوعين 1، 2 بأكملهما وهما يشملان (الصحيح والحسن والحديث الضعيف الذي ضعفه غير شديد)، وعلى هذا يمكننا مناقشة ابن الصلاح كالتالي:

o أن بعض ما جعلته حسنا بلا تفصيل قد يكون صحيحا.

o وأن بعض ما جعلته حسنا بلا تفصيل قد يكون ضعيفا ضعفا غير شديد.

وعلى هذا فإن قول الجمهور هو الصحيح في هذه المسألة (كما في حالة مستدرك الحاكم)، وهو أن الناقد المتمكن لابد له من النظر في الحديث والحكم عليه بما يستحقه. ومن الجدير بالذكر أن أبا داود، لا يسكت على الضعيف إلا إذا كان معمولا به، أي لا يكون ضعفه شديدا، كأن يتقوى بظاهر القرآن، وهذا يشبه، كما نبه إلى ذلك الشيخ طارق حفظه الله، صنيع أحمد، حيث كان يقوي الضعيف بفتاوى الصحابة رضي الله عنهم.

ما معنى (صالح) في قول أبي داود:

معناه أنه إما أن يكون صالحا للإحتجاج (وهو الصحيح والحسن)، وإما أن يكون صالحا للإعتبار (الضعيف الذي ينجبر)، وممن أشار إلى ذلك الشيخ مقبل حيث قال: منه ما هو صالح للحجية ومنه ما هو صالح للشواهد والمتابعات، وقد وجدناه سكت عن أحاديث في "الصحيحين"، وأحاديث تصلح في الشواهد والمتابعات، وأحاديث ضعيفة.

وقد نبه الشيخ طارق عوض الله حفظه الله إلى أن الحجة درجات، وذلك كالتالي:

o الحجة العالية أو الكاملة: وهي الصحيح أو الحسن.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015