وبناء على هذا فإن أبا بكر الأثرم يعتبر من المعمرين، فإن كان ولد في أول عهد الدولة الرشيدية سنة 170 هـ وتوفي سنة 273 فهو عاش مائة عام، وإن كان ولد في آخرها سنة 190هـ وما بعدها فإنه عاش قرابة ثلاثة وثمانين عاماً رحم اللّه أبا بكر العالم الجهبذ المصلح والفقيه السديد، والناقد البصير رحمة تغشاه في قبره إنه سميع مجيب.

منهج الأثرم في كتابه

يتلخص منهج الأثرم -رحمه اللّه تعالى- في كتابه ناسخ الحديث ومنسوخه- فيما ظهر لي من خلال الجزء الثالث منه، والذي قمت بتحقيقه في الأمور التالية:

1 - يعتبر أبو بكر الأثرم من أهل الرواية فهو أحد تلامذة أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل رحمهم اللّه- لكنه في هذا الجزء من كتابه لم يورد حديثا واحداً بروايته المتصلة.

2 - لم يلتزم في كتابه هذا سوق الأحاديث الصحيحة- مع العلم أنه من أهل الرواية والدراية بل يذكر أحياناً أحاديث الباب كله، وهي ليست قوية، ثم يوجهها بعد ذلك، ومثال ذلك أنه ذكر في باب: الهلال يرى ما يقول، عدداً من الأحاديث. ثم قال عقبها (فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وكلها ليست بأقوى الأحاديث، وإنما الوجه أن ذلك ليس فيه شيء مؤقت وأي ذلك قاله فهو جائز) انظر ص 5.

ولعله لم يجد في الباب أفضل ولا أحسن ولا أثبت مما وجد، ويشهد لذلك قول أبي داود في سننه 5/ 327 " ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح ".

3 - يذكر الحديث في الباب ثم يتبعه الحكم عليه إجمالاً، ثم يذكر الأحاديث التي خالفته، مثال ذلك: (ذكر في باب صوم يوم السبت حديث الصماء بنت بسر المازنية في النهي عن صومه، ثم تعقبه مباشرة بقوله (فجاء هذا الحديث بما خالف الأحاديث كلها) انظر ص 8.

ثم ذكر بعد ذلك حديث علي وأبي هريرة وجندب مخالفة له. انظر ص 8.

4 - يطنب أحياناً في بيان الرد، ويحشد من الأدلة المخالفة عدداً كثيراً مثال ذلك، ذكر في باب صوم يوم السبت. حديثاً واحداً في تحريم صومه، وهو حديث الصماء بنت بسر، ثم أخذ يرد عليه بعدد من الأحاديث فذكر حديث علي وأبي هريرة وأبي ذر وأم سلمة وعائشة وأسامة بن زيد، وأبي ثعلبة وابن عمر، انظر ص 8، 9، 10.

وليس هذا عنده من باب الحصر بل من باب التمثيل، لأنه قال في النهاية (وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث) انظر ص 10.

5 - الاختصار في الإِسناد والمتن، وذلك أن الحديث إذا كان عن عدد من الصحابة، ومتنه واحد أو متقارب، فإنه يسرد الصحابة الذين رووه خلف بعضهم سرداً ثم يذكر المتن عند آخرهم مرة واحدة.

مثال ذلك قال في باب صوم يوم السبت (فمن ذلك حديث علي وأبي هريرة وجندب أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بصوم المحرم) انظر ص 8.

وقال (ومن ذلك حديث أم سلمة وعائشة وأسامة بن زيد وأبي ثعلبة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان) انظر ص 9.

وقال في باب المسكر (وروى عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وجابر وأبو هريرة وميمونة وأم حبيبة وأنس ومعاوية وبريدة الأسلمي وجماعة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " كل مسكر حرام ") انظر ص 18.

ومن اختصاره يذكر الحديث عن الصحابي من عدة طرق ثم يذكر متنه في آخر شيء.

مثال ذلك: حديث ابن عمر مرفوعاً: كل مسكر حرام. ذكره من أربع طرق عن ابن عمر ثم ذكر المتن في آخر شيء انظر ص 12، 13.

وحديث أنس في باب المرتد ما يصنع به انظر ص 118.

6 - الإجمال دون التفصيل، وذلك أنه يذكر أن الأحاديث في هذا الموضوع كثيرة، لكنه لا يذكر متناً ولا راوياً ومثال ذلك ما ذكره في باب صوم يوم السبت بقوله "ومن ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم في صوم يوم عاشوراء، وقد يكون منها يوم السبت، ومن ذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام البيض وقد يكون فيها السبت، وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث " انظر ص 10.

7 - إذا ذكر المخالف لا ينص عليه بالاسم، وإنما يذكره ضمن العموم فالأثرم لما ذكر الأحاديث المتواترة في تحريم المسكر قليلة وكثيرة قال " ثم روى قوم يستحلون بعض ما حرم اللّه عز وجل أحاديث لا أصول لها" انظر ص 21.

وهو في هذا متّبع لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في التعريض ببعض الناس عندما يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ويقولون كذا وكذا".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015