وبالغ بعض المتقدمين فقال: (إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة، فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر)!

وقد أخرج له ابن خزيمة في " صحيحه ". والبخاري في " جزء القراءة خلف الإمام " على سبيل الاحتجاج.

ومن رام زيادة توسع في هذه الترجمة فليراجع " التهذيب " و " الميزان " وتحقيق أحمد محمد شاكر في تعليقه على " سنن الترمذي " (1/ 140 - 144) وقد أجاد.

ثمّ إن الحديث أخرجه البيهقي (1/ 79) من طريق المؤلف.

وأخرجه الطحاوي (1/ 22) من طريق شيخه أحمد بن داود قال: ثنا مسدد ... به، دون قوله في آخره: ((أو ظلم وأساء)).

وأحمد بن داود: هو ابن موسى السدوسي وثقة ابن يونس، فلعل الشك جاء من المصنف.

وأخرجه أحمد (2/ 180): ثنا يعلى [قلت: هو ابن عبيد الطّنافسيّ]: ثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة ... به، ولفظه:

جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثا ثلاثا، قال: (هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم).

وكذا أخرجه النسائي (1/ 33)، وابن ماجه (1/ 163 - 164) من حديث يعلى ... به، ليس فيه: ((أو نقص)).

فقد اختلف فيها سفيان وأبوعوانه - واسمه الوضاح - فأثبتها هذا، ولم يذكرها سفيان، والقول قوله، لأمور ثلاثة:

الأول: أنه أحفظ من أبي عوانة، قال الدوري: ((رأيت يحيي بن معين لا يقدم على سفيان في زمانه أحدا في الفقه والحديث والزهد وكل شيء)).

وقال المصنف: ((بلغني عن ابن معين قال: ما خالف أحد سفيان في شيء، إلا كان القول قول سفيان)).

وأبو عوانه تكلم في حفظه، على ثقته وجلالته، فقال أحمد: ((إذا حدث من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم)).

وذكر نحوه أبو حاتم إلا أنه قال: ((وإذا حدث من حفظه غلط كثيرا)).

ثمّ وجدت في " مصنف ابن أبي شيبة " ما يعكر على هذا، فقال (1/ 8 - 9): حدثنا أبو أسامة عن سفيان ... بزيادة ((أو نقص)).

لكن أبو أسامة - وهو حماد بن أسامة - وإن كان ثقة ثبتا، فقد قال الحافظ: ((ربما دلس، وكان بأخره يحدث من كتب غيره)).

الأمر الثاني: أنني وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن عباس ... مثل رواية سفيان عن موسى:

أخرجه الطبراني في " الكبير " (11/ 75/11091) وفيه سويد بن عبد العزيز، قال الهيثمي (1/ 231): ((وضعفه أحمد ويحيي وجماعة، ووثقه دحيم)).

الأمر الثالث: إذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام الوضوء مرتين مرتين، والوضوء مرة مرة - كما في البابين التاليين - فكيف يكون ذلك ظلما وإساءة؟! ولذلك قال المحقق السندي في " حاشيته على ابن ماجه ": ((وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث: ((أو نقص)) والمحققون على أنه وهم، لجواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين)).

قلت: وأما جواب النووي رحمه الله في " المجموع " (1/ 440) بقوله: ((إن ذلك الاقتصار منه عليه الصلاة والسلام كان لبيان الجواز، فكان في ذلك الحال أفضل، لأن البيان واجب))!

وهذا عندي لا شيء، فإنه إذا كان لبيان الجواز، فمن فعل الجائز اتباعا له عليه الصلاة والسلام كيف يقال فيه: ((فقد أساء وظلم))؟!

ثمّ هل يستوي هذا مع الذي يزيد فوق الثلاث، الذي لم يفعله عليه الصلاة والسلام ألبتة، مع أنه قال في كليهما: ((فقد أساء وظلم))؟!

اللهم! إنهما لا يستويان، فذاك متبع وهذا مبتدع، وهو المراد بهذا الوعيد!

وقوله ((أو نقص)) شاذ ووهم من أبي عوانة، وسبحان من لا ينسى ولا يسهو!

قال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": وهذا الحديث عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لصحة الإسناد إلى عمرو)) كذا في " نصب الراية " (1/ 29).

قلت: وممن صححه من المتقدمين: ابن خزيمة حيث أخرجه - أعني: في " صحيحة " كما في " التلخيص " (1/ 408)، ومن المتأخرين النووي في " المجموع " (1/ 431 - 438)، وهو كما قال باعتبار شاهده المذكور آنفا عن ابن عباس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015