وأيضا فإني قد تتبعت أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في " مسند أحمد " وفي هذا الكتاب، فوجدتها على أربعة أنواع:
الأول: ما إسناده على نسق إسناد هذا الحديث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مما ليس فيه التصريح بما يلزم منه الوصل، وأن جده عبد الله بن عمرو.
وهذا النوع هو الأكثر، وسيأتي في الكتاب منه نحو عشرين حديثا أو أكثر.
الثاني: مثله، إلا أن فيه التصريح بمثل قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو رأيته، ونحو ذلك مما يلزم منه الصحبة والمشاهدة، ويلزم منه دفع الاحتمال السابق.
ومن أمثلته: ما سيأتي في " باب الصلاة في النعل " (رقم 660)، وانظر " المسند " (2/ 181 و 185 و186 و 203 و 205 و 215 و 216) و (رقم 701) من هذا الكتاب.
الثالث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، وهذا فيه بيان أن جده هو عبد الله بن عمرو، ليس هو ابنه محمد بن عبد الله.
ومن أمثلته ما سيأتي في " اللقطة " (رقم 1504)، وفي " الطلاق " (رقم 1968)، وفي " الفرائض " (رقم 2586)، وفي " الحدود " (باب ما لا قطع فيه).
النوع الرابع: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو.
ومن أمثلته ما يأتي (رقم 375)، وفي " الجمعة " (رقم 1019)، وفي " العيدين " (رقم 1045)، وفي " البيوع " (رقم .. و .. ) [في خيار المتبايعين، والرجوع في الهبة]، وفي " الحدود " (رقم .. ) [العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان]، وفي " الديات " (رقم .. ) [ديات الأعضاء]، وفي " الأدب " (رقم .. ).
فهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة تشير إلى أن المراد من الجد المطلق في النوع الأول: إنما هو عبد الله بن عمرو، حملا للمطلق على المقيد.
ولذلك ساق الإمام أحمد أحاديث هذا النوع في (مسند عبد الله بن عمرو) إشارة إلى أنها موصولة. وكذلك فعل يونس بن حبيب في روايته ل " مسند الطيالسي " (298 - 299). وبذلك جزم الحافظ فقال:
((وأمّا روايته عن أبيه عن جده، فإنما يعني بها الجد الأعلى عبد الله بن عمرو، لا محمد بن عبد الله، وقد صرح شعيب بسماعه من عبد الله في أماكن، وصح سماعه منه كما تقدم، وكما روى حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن شعيب قال: سمعت عبد الله بن عمرو ... فذكر حديثا. أخرجه أبو داود من هذا الوجه)).
قلت: لا يوجد عند المصنف بهذا الإسناد غير حديث واحد، سيأتي إن شاء الله تعالى في " الأطعمة " (رقم .. ) [الأكل متكئا] لكن ليس فيه التصريح بالسماع من عبد الله، بل هو معنعن، وكذلك رواه أحمد (2/ 165و166) وروى به حديثا آخر.
فلعل ما ذكره الحافظ هو رواية عن المصنف، أو هو في بعض النسخ من " السنن ".
هذا وقد بقي علينا الجواب عن علة أخري أعل بها هذا الإسناد مع ثبوت سماع شعيب من جده عبد الله، فقال الترمذي (1/ 140) عقب حديث يأتي (برقم 991):-
((ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب، إنما ضعفه لأنه يحدث عن صحيفة جده، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده))! وقال ابن معين: ((وجد شعيب كتب عبد الله بن عمرو، فكان يرويها عن جده إرسالا، وهي صحاح عن عبد الله بن عمرو، غير أنه لم يسمعها))! قال الحافظ: ((فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح، غير أنه لم يسمعها، وصح سماعه لبعضها، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة، وهو أحد وجوه التحمل)).
قلت: وجواب الحافظ هذا، خير من جواب الذهبي، حيث قال:
((أمّا كونها وجادة أو بعضها سماع وبعضها وجادة، فهذا محل نظر، لسنا نقول: إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح، بل هو من قبيل الحسن))!
فقد تبين بهذا التحرير صلاحية الاحتجاج بالأحاديث المروية بهذا الإسناد.
وأمّا اشتراط بعضهم أن يكون الراوي عن عمرو ثقة، فمما لا حاجة إلى التنبيه عليه، لأنه شرط ضروري في جميع الرواة، لا يختص به عمرو، كما قال الحافظ.
من ذلك: قال البخاري في " تاريخه ": ((رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهوية وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين)). قال البخاري: (من الناس بعدهم؟) (2)
¥