على أن المهم ههنا أن يعلم المخالفون أن العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ليس على إطلاقه عند القائلين به , فقد قال الحافظ ابن حجر في " تبيين العجب " (ص 3 - 4): " اشتهر أن أهل العلم يتساهلون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف ما لم تكن موضوعة , وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا , وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيشرع ما ليس بشرع , أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره , وليحذر المرء من دخوله تحت قوله " صلى الله عليه وسلم ": آمن حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " , فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع ".
فهذه شروط ثلاثة مهمة لجواز العمل به:
1 - أن لا يكون موضوعا.
2 - أن يعرف العامل به كونه ضعيفا.
3 - أن لا يشهر العمل به.
ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء فضلا عن العامة متساهلين بهذه الشروط , فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه , وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به.
ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا! ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين , وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد الثابتة ثم إن هذه الشروط ترجح ما ذهبنا إليه من أن الجمهور لا يريد المعنى الذي رجحناه آنفا؛ لأن هذا لا يشترط فيه شيء من هذه الشروط كما لا يخفى. ويبدو لي أن الحافظ رحمه الله يميل إلى عدم جواز العمل بالضعيف بالمعنى المرجوح لقوله فيما تقدم: ". . ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل , إذ الكل شرع ". وهذا حق لأن الحديث الضعيف الذي لا يوجد ما يعضده يحتمل أن يكون كذبا , بل هو على الغالب كذب موضوع وقد جزم بذلك بعض العلماء فهو ممن يشمله قوله " صلى الله عليه وسلم ": ". . يُرى أنه كذب " أي يظهر أنه كذلك.
ولذلك عقَّبه الحافظ بقوله: " فكيف بمن عمل به؟ " ويؤيد هذا ما سبق نقله عن ابن حبان في القاعدة الحادية عشرة.
" فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح , داخل في الخبر "
فنقول كما قال الحافظ: " فكيف بمن عمل به. .؟ ".
فهذا توضيح مراد الحافظ بقوله المذكور , وأما حمله على أنه أراد الحديث الموضوع وأنه هو الذي لا فرق في العمل به في الأحكام أو الفضائل كما فعل بعض مشايخ حلب المعاصرين , فبعيدجدا عن سياق كلام الحافظ , إذ هو في الحديث الضعيف لا الموضوع كما لا يخفى , ولا ينافي ما ذكرنا أن الحافظ ذكر الشروط للعمل بالضعيف كما ظن ذلك الشيخ لأننا نقول: إنما ذكرها الحافظ لأولئك الذين ذكر عنهم أنهميتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل ما لم تكن موضوعة فكأنه يقول لهم: إذا رأيتم ذلك فينبغي أن تتقيدوا بهذه الشروط , وهذا كما فعلته أنا في هذه القاعدة والحافظ لم يصرح بأنه معهم في الجواز بهذه الشروط ولاسيما أنه أفاد في آخر كلامه أنه على خلاف ذلك كما بينا.
وخلاصة القول أن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لا يجوز القول به على التفسير المرجوح , إذ هو خلاف الأصل ولا دليل عليه , ولا بد لمن يقول به أن يلاحظ بعين الاعتبار الشروط المذكورة وأن يلتزمها في عمله , والله الموفق.
ثم إن من مفاسد القول المخالف لما رجحناه أنه يجر المخالفين إلى تعدي دائرة الفضائل إلىالقول به في الأحكام الشرعية , بل والعقائد أيضا , وعندي أمثلة كثيرة على ذلك لكني أكتفي منها بمثال واحد. فهناك حديث يأمر بأن يخط المصلي ببن يديه خطا إذا لم يجد سترة , ومع أن البيهقي والنووي هما من الذين صرحوا بضعفه فقد أجازا العمل به خلافا لإمامهما الشافعي , وسيأتي مناقشة قولهما في ذلك عند الكلام على الحديث المذكور.
ومن شاء زيادة بيان وتفصيل في هذا البحث الهام فليراجع مقدمة " صحيح الترغيب " (1/ 16 - 36).
يتبع بإذن الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(7) في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (ص 54)
(8) رواه مسلم (رقم: 5) في مقدمة " صحيحه " وهو مخرج في " الصحيحة " (205)
(9) راجع " قواعد التحديث "
ـ[سمير السكندرى]ــــــــ[01 - 05 - 08, 05:56 م]ـ
¥