1 - إمَّا أن يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا يُنبه على ضعفها , فهو غاشٌّ للمسلمين , وداخلٌ حتماً في الوعيد المذكور.

قال ابن حبَّان في كتابه " الضعفاء " (1/ 7 - 8):

(في هذا الخبر دليلٌ على أن المُحَدِّث إذا روى ما لم يَصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم مما تُقُوِّلَ عليه وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبَيْن، على أنَّ ظاهرَ الخبر ما هو أشدُّ قال " صلى الله عليه وسلم ": " من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب. . " - ولم يقل: إنه تيقن أنه كذب - فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر "

ونقله ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " (ص 165 - 166) وأقره.

2 - وإما أن لا يعرف ضعفها فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم " دون علم , وقد قال " صلى الله عليه وسلم ": " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " , (8) فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله " صلى الله عليه وسلم " , لأنه قد أشار " صلى الله عليه وسلم " أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه " صلى الله عليه وسلم " لا محالة , فكان بسبب ذلك أحد الكاذبين. الأول: الذي افتراه , والآخر: هذا الذي نشره!

قال ابن حبان أيضا (1/ 9):

" في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به منغير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا. (9) وراجع " التمهيد " في مقدمة الضيفة (ص 10 - 12)

القاعدة الثانية عشرة

ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

اشتهر بين كثير من أهل العلم وطلابه أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال. ويظنون أنه لا خلاف في ذلك.

كيف لا والنووي رحمه الله نقل الاتفاق عليه في أكثر من كتاب واحد من كتبه؟ وفيما نقله نظر بَيِّن , لأن الخلاف في ذلك معروف , فإن بعض العلماء المحققين على أنه لا يعمل به مطلقا؛ لا في الأحكام ولا في الفضائل.

قال الشيخ القاسمي رحمه الله في " قواعد التحديث " (ص 94):

" حكاه ابن سيد الناس في " عيون الأثر " عن يحيى بن معين , ونسبه في " فتح المغيث " لأبي بكر بن العربي , والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا. . وهو مذهب ابن حزم. . ". قلت: وهذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي لأمور:

الأول: أن الحديث الضعيف إنما يفيدالظن المرجوح , ولا يجوز العمل به اتفاقا , فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضيف في الفضائل لابد أن يأتي بدليل , وهيهات!

الثاني: أنني أفهم من قولهم: ". . في فضائل الأعمال " أي الأعمال التي ثبتت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعا , ويكون معه حديث ضعيف , يسمى أجرا خاصا لمن عمل به , ففي مثل هذا يُعمل به في فضائل الأعمال , لأنه ليس فيه تشريع ذلك العمل به , وإنما فيه بيان فضل خاص يرجى أن يناله العامل به.

وعلى هذا المعنى حَمَلَ القول المذكور بعض العلماء كالشيخ علي القاري رحمه الله , فقال في " المرقاة " (2/ 381): "

قوله: إن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد إجماعا كما قاله النووي , محله الفضائل الثابتة من كتاب أو سنة "

وعلى هذا , فالعمل به جائز إن ثبت مشروعية العمل الذي فيه بغيره مما تقوم به الحجة , ولكني أعتقد أن جمهور القائلين بهذا القول لا يريدون منه هذا المعنى مع وضوحه , لأننا نراهم يعملون بأحاديث ضعيفة لم يثبت ما تضمنته من العمل في غيره من الأحاديث الثابتة , مثل استحباب النووي وتبعه المؤلف إجابة المقيم في كلمتي الإقامة بقوله: " أقامها الله وأدامها " مع أنالحديث الوارد في ذلك ضعيف كما سيأتي بيانه , فهذا قول لم يثبت مشروعيته في غير هذا الحديث الضعيف , ومع ذلك فقد استحبوا ذلك مع أن الاستحباب حكم من الأحكام الخمسة التي لا بد لإثباتها من دليل تقوم به الحجة , وكم هناك من أمور عديدة شرعوها للناس واستحبوها لهم إنما شرعوها بأحاديث ضعيفة لا أصل لما تضمنته من العمل في السنة الصحيحة ,ولا يتسع المقام لضرب الأمثلة على ذلك وحسبنا ما ذكرته من هذا المثال , وفي الكتاب أمثلة كثيرة سيأتي التنبيه عليها في مواطنها إن شاء الله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015