القاعدة الثالثة عشرة

لا يقال في الحديث الضعيف: قال r ، أو: ورد عنه، ونحو ذلك.

قال النووي في " المجموع شرح المهذب " (1/ 63): " قال العلماء المحققون من أهل الحديث وغيرهم: إذا كان الحديث ضعيفاً لا يقال فيه: قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " أو: فعل أو: أمر أو: نهى أو: حكم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم، وكذا لا يقال فيه: روى أبو هريرة أو: قال أو: ذكر. . وما أشبهه، وكذا لا يقال ذلك في التابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفا، فلا يقال في شئ من ذلك بصيغة الجزم، وإنما يقال في هذا كله: روي عنه، أو: نقل عنه، أو: حكي عنه. .، أو: يذكر، أو: يحكى. .، أو: يروى، وما أشبه ذلك من صيغ التمريض وليست من صيغ الجزم، قالوا: فصيغ الجزم موضوعة للصحيح أو الحسن، وصيغ التمريض لما سواهما. وذلك أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح، وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه، وهذا الأدب أخل به المصنف (10) وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، بل جماهير أصحاب العلوم مطلقا ما عدا حذاق المحدثين، وذلك تساهل قبيح منهم، فإنهم يقولون كثيرا في الصحيح: " روي عنه " وفي الضعيف: " قال " أو: روى فلان، وهذا حيد عن الصواب ".

قلت: ومؤلفنا - جزاه الله خيرًا - وإن كان قد حاد عن الصواب مع من حاد عنه من الجماهير - كما سيأتي بيان ذلك في مواضعه من التعليق عليه -

فإن لي رأيا خاصاً فيما حكاه النووي عن العلماء لا بد لي من الإدلاء به بهذه المناسبة , فأقول: إذا كان من المسلم به شرعاً أنه ينبغي مخاطبة الناس بما يفهمون ما أمكن , وكان الاصطلاح المذكور عن المحققين لا يعرفه أكثر الناس فهم لا يفرقون بين قول القائل: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " , وقوله: "روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقلة المشتغلين بعلم السنة , فإني أرى أنه لا بد من التصريح بصحة الحديث أو ضعفه دفعاً للإيهام كما يشير إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بقوله: " دع ما يريبك إلى مالا يريبك ".

رواه النسائي والترمذي وهو مخرج في " ارواء الغليل " (2074) وغيره.

القاعدة الرابعة عشرة

وجوب العمل بالحديث الصحيح وإن لم يعمل به أحد

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في " رسالته " الشهيرة: " إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قضى في الإبهام بخمس عشرة فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل " صاروا إليه , قال: ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا الحديث دلالتان: إحداهما قبول الخبر , والأخرى قبول الخبر في الوقت الذي يثبت فيه , وإن لم يمض عمل أحد من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا , ودلالة على أنه لو مضى أيضا عمل من أحد من الأئمة ثم وجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله , ودلالة على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده " (11).

القاعدة الخامسة عشرة

أمر الشارع للواحد أمر لجميع أفراد الأمة.

إذا خاطب الشارع الحكيم فرداً من الأمة أو حكم عليه بحكم , فهل يكون هذا الحكم عاماً في الأمة إلا إذا قام دليل التخصيص؟ أو يكون خاصاً بذلك المخاطب؟.

اختلف في ذلك علماء الأصول , والحق الأول وهو الذي رجحه الشوكاني وغيره منالمحققين (12) قال ابن حزم في " أصول الأحكام " (3/ 88 - 89): " وقد أيقنا أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى كل من كان حياً في عصره في معمور الأرض من إنس أو جن , وإلى من يولد بعده إلى يوم القيامة , وليحكم في كل عين وعرض يخلقها الله إلى يوم القيامة , فلما صح ذلك بإجماع الأمة المتيقن المقطوع به المبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم , وبالنصوص الثابتة بما ذكرنا من بقاء الدين إلى يوم القيامة ولزومه الإنس والجن , وعلمنا بضرورة الحس أنه لا سبيل لمشاهدته عليه السلام من يأتي بعده , كان أمره صلى الله عليه وسلم لواحد من النوع وفي واحد - من النوع أمراً في النوع كله , وللنوع كله , وبين هذا أن ما كان من الشريعة خاصاً لواحد ولقوم فقد بينه عليه السلام نصاً وأعلمه أنه خصوص , كفعله في الجذعة بأبي بردة بن نيار , وأخبره عليه السلام أنه لا تجزئ عن أحد بعده , وكان أمره عليه السلام للمستحاضة أمراً لكل مستحاضة , وإقامة ابن عباس وجابر عن يمينه في الصلاة حكم على كل مسلم ومسلمة يصلي وحده مع إمامه. ولا خلاف بين أحد في أن أمره لأصحابه رضي الله عنهم وهم حاضرون , أمر لكل من يأتيإلى يوم القيامة.

ثم شرع في الرد على من خالف في ذلك تأصيلاً أو تفريعاً فراجعه.

وهذا آخر ما اقتضت المصلحة إيراده الآن من القواعد الحديثية والفقهية , ومن المؤسف أن مؤلف " فقه السنة " لم يتقيد بها , أو - على الأقل - لم يرعها حق رعايتها مع وثيق اتصالها بموضوع الكتاب كما رأيت.

وسيأتي بيان هذا كله في مواضعه من هذا التعليق المفيد إن شاء الله تعالى , أسأله تعالى أنيجعل الصواب حليفه , وينفع به إخواني المسلمين في سائر الأقطار إنه سميع مجيب الدعاء. المؤلف دمشق 3 شوال 1373 هـ

نقلاً من كتاب (تمام المنة في التعليق على فقه السنة للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله

/ ص 15– 42).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

(10) أي: الشيرازي صاحب " المهذب ".

(11) " الرسالة " (ص 422) تحقيق أحمد شاكر.

(12) راجع أصول الفقه للشيخ محمد الخضرى (ص 208 - 209).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015