" لا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث؛ فإن ابن كثير ثقة، وهذا الحديث عن الثوري منكر ".
كذا؛ قال ابن عدي: " إن ابن كثير ثقة "! وليس كذلك؛ فإن الثقة آخر، وهو العبدي، أما هذا الصنعاني فليس بثقة.
نبه على ذلك؛ الشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى ـ في " السلسلة الصحيحة " (944).
وقد نسبه الدارقطني في " الأفراد " (2154 ـ أطرافه): " مصيصياً "، وهذا يؤكد ما قال الشيخ الألباني (4).
وسأل ابن أبي حاتم (5) أباه عن حديث محمد بن كثير هذا، فقال:
" هذا حديث باطل ـ يعني: بهذا الإسناد ".
قلت: فهذه متابعة محمد بن كثير، تبين أن مخرجها عن خالد بن عمرو الكذاب، فلا اعتداد بها.
وممن رواه أيضاً عن الثوري: أبو قتادة الحراني.
أخرج حديثه: البيهقي في " الشعب " (10525) ومحمد بن عبد الواحد المقدسي في " المنتقى من حديث أبي علي الإوقي " (3/ 2) ـ كما في " السلسلة الصحيحة " (2/ 662).
وأبو قتادة هذا؛ هو عبد الله بن واقد، وهو متروك، وكان الإمام أحمد يثني عليه، وقال: " لعله كبر واختلط "، وكان يدلس أيضاً.
فالظاهر؛ أنه تلقاه أيضاً من خالد بن عمرو، ثم دلسه عنه، كما قال العقيلي في متابعة ابن كثير.
قاله الشيخ الألباني في " الصحيحة ".
قلت: وهذه ـ أيضاً ـ متابعة أبي قتادة الحراني، قد آلت إلى حديث خالد بن عمرو، فثبت أن الحديث حديث خالد هذا، وأنه متفرد به عن الثوري، وأن من رواه عن الثوري سواه، إنما أخذه عنه (6).
وقد جاء لهذا الحديث شاهد أيضاً من حديث أنس بن مالك؛ لكنه معلول.
رواه إبراهيم بن أدهم، واختلف عليه:
فرواه: أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملي: ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر: ثنا الحسن بن الربيع: ثنا المفضل بن يونس: ثنا إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن مجاهد، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " (8/ 41)، وقال:
" ذكر " أنس " في هذا الحديث وهم من عمرو أو أبي أحمد (7)؛ فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع، فلم يجاوز فيه: مجاهداً ".
ورواه: أبو سليمان ابن زبر الدمشقي في " مسند إبراهيم بن أدهم " من رواية معاوية بن حفص، عن إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن ربعي ابن حراش، عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ مرسلاً.
فجعله عن " ربعي "؛ لا عن " مجاهد ".
ذكره: ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " (2/ 176).
ورواه: علي بن بكار، عن إبراهيم بن أدهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا معضل؛ ليس فيه " منصور " ولا " ربعي ".
أخرجه: ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " ـ كما في " جامع العلوم " لابن رجب.
وتابعه: طالوت على ذلك.
قاله: أبو نعيم في " الحلية " (8/ 42).
فتبين؛ أن هذا الشاهد، لا يصح موصولاً، وأن الصواب فيه الإرسال، أو الإعضال.
هذا؛ وقد ذكر الشيخ الألباني ـ أكرمه الله تعالى ـ هذه الطرق في " السلسلة الصحيحة "، (944)، وبين عللها، ثم قال:
" قد تقدم حديث سفيان من طرق عنه، وهي وإن كانت ضعيفة، ولكنها ليست شديدة الضعف ـ باستثناء رواية خالد بن عمرو الوضاع ـ؛ فهي لذلك صالحة للاعتبار، فالحديث قوي بها، ويزداد قوة بهذا الشاهد المرسل؛ فإن رجاله كلهم ثقات ".
قلت: وفي كلام الشيخ نظر؛ فإن رواة هذا الحديث عن سفيان ـ غير خالد بن عمرو ـ كلهم ضعفاء، ومنه من هو ضعيف جداً، ولم يتابعهم واحد من الثقات من أصحاب الثوري، وهذا مما لا يحتمل، فإن كثرة الرواة للحديث مشعرة بشهرته، فكيف يشتهر الحديث عن سفيان، ولا يجئ من رواية أصحابه الثقات، الملازمين له، والعارفين بحديثه؟!
وقد سبق إنكار الأئمة لهذا الحديث عن الثوري، على كل من رواه عنه؛ لاسيما قول العقيلي " ليس له من حديث الثوري أصل "، وقول ابن عدي: " هذا الحديث عن الثوري منكر "، وقول أبي حاتم: " هذا حديث باطل بهذا الإسناد ".
فالحديث؛ ليس من حديث الثوري أصلاً.
¥