قال شيخُنا - أيدَّهُ اللهُ -: (وزافر - وهو ابن سليمان - صدوق كثير الأوهام، ونحوه محمد بن عيينة، فإنَّه صدوق له أوهامٌ كما في (التقريب)، وقد اضطرب أحدهما في إسناده، فمرةٌ جعله من (مسند ابن عمر)، والأول أولى لموافقته للمتابعات السابقة). ا هـ.

قلتُ: وهذا الترجيح شكليٌّ محضٌ، كما هو ظاهرٌ، لا يفهمن منه أن الشيخ يقوي حديث سهل، وله شاهدٌ عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أخرجه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق) (3/ 162 / 2) عن محمد بن أحمد بن العلس.

حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، حدثنا مالك، عن نافعٍ، عن ابن عمر به.

قال شيخُنا - أيدَّه اللهُ -: (وهذا إسنادٌ رجاله رجال الشيخين، غير ابن العلس هذا، فلم أعرفْهُ).

قلتُ: رضي الله عنك! إنما هو أحمد بن محمد بن المغلس الكذاب! قال الحافظ في (اللسان) (1/ 272): (ومن مناكيره روايتُه عن بشر الحافي، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، رفعه: (ازهد في الدنيا يحبك اللهُ …).

الحديث، رواه ابنُ عساكر في (تاريخه) عن الدينوري، عن القزويني، حدثنا يوسف بن عمر القواس، عن محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا أحمد بن المغلس، فذكر قصةً هذا فيها.

وهذا الحديث بهذا الإسناد باطلٌ، وإنما يُعرف من حديث سهل بن سعد الساعدي بإسناد ضعيف ذكرتُه في غير هذا المكان). اهـ.

فلربما اشتبه على شيخنا، أو وقع سقط في الإسناد، فالله أعلمُ.

وله شاهد من حديث أنس، رضي الله عنه، أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (8/ 41) من طريق أبي أحمد إبراهيم بن محمد بن أحمد الهمداني، ثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملى ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، ثنا الحسن بن الربيع، ثنا المفضل بن يونس، ثنا إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن مجاهد، عن أنس، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دُلْني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله، عز وجل، وأحبني الناس عليه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم … فذكره بنحوه.

قال أبو نعيم: (ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوزوا فيه مجاهدًا)، ثم رواه من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقيُّ: ثنا الحسن بن الربيع أبو علي البجلي، ثنا المفضل بن يونس، عن إبراهيم بن أدهم، عن منصور، عن مجاهدٍ مرسلاً.

قال شيخُنا: (إسنادُهُ جيدٌ)، فالصواب في حديث الباب الإرسال، لذلك فهو ضعيفٌ، لكن قال شيخُنا: (وقد تقدم حديث سفيان من طرق عنه، وهي وإن كانت ضعيفة، ولكنها ليست شديدة الضعف باستثناء رواية خالد بن عمرو الوضاع، فهي لذلك صالحةُ الاعتبار، فالحديثُ قويٌّ بها، ويزداد قوَّة بهذا الشاهد المرسل، فإن رجاله كلهم ثقات).اهـ.

قلتُ: رضي الله عنك! فقد سبق أن ذكرت أن محمد بن كثير وأبا قتادة وكلاهما مدلسٌ، يحتمل أن يكونا أخذاه من خالد بن عمرو ودلساهُ، فحينئذٍ لا يجوز الاحتجاج بهذه الطرق، ولا يقال: يقوي بعضها بعضًا، إذ مدارها على ذلك الكذاب، يبقى حديث ابن عمر، وفيه كذابٌ آخر، فالحقُّ أن الحديث ساقط عن حدِّ الاعتبار، ولا يصحُّ فيه إلا الإرسال.

وقد قال المنذريُّ في (الترغيب) (4/ 157): وقد حسَّن بعضُ مشايخنا إسناده، وفيه بُعْدٌ؛ لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأمويّ، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم، عن سهل، وخالد هذا قد تُرك واتُّهم، ولم أر من وثقه، لكن على هذا الحديث لامعةٌ من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راوية ضعيفًا أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قاله.

وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني، عن سفيان، ومحمدٌ هذا قد وثق على ضعفه، وهو أصلحُ حالاً من خالد، والله أعلم). اهـ.

قلتُ: فكأنَّ المنذريَّ، رحمه الله، مشى الحديث لأمرين:

- الأول: لا يمنع كون راويه ضعيفًا أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قاله.

- الثاني: أنه تابعه محمد بن كثير، وهو أصلحُ حالاً.

والجوابُ من وجهين أيضًا:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015