بل حتى لو رواها أوثق الناس، فكيف يُقبل تفرد إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بهذا الإسناد الذهبي اللامع؟! وإسماعيل متكلّم فيه كثيرًا، خاصةً في روايته عن مالك (تهذيب التهذيب: 1/ 271).

وقد استنكر الحديث على ابن المغلس ابنُ حجر في اللسان، وقال: "وهذا الحديث بهذا الإسناد باطل".

7 - رواية إبراهيم بن أدهم:

وقد اختُلف عليه على خمسة أوجه، واختُلف على راوي أحدها على وجهين:

أ- فقد رواه الحسن بن الربيع عن المفضل بن يونس عن إبراهيم، واختُلف عن الحسن: فرواه أحمد بن إبراهيم الدورقي عن الحسن، فجعله من مرسل مجاهد، ورواه أبو عبيدة بن أبي السفر عن الحسن، فوصله عن مجاهد عن أنس مرفوعًا.

قال أبو نعيم الأصبهاني عقب الرواية المرفوعة: "ذكر أنس في هذا الحديث وهمٌ من عمر أو أبي أحمد، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوز - كذا - فيه مجاهدًا"، ثم أسند مرسل مجاهد.

وعمر الذي ذكره أبو نعيم هو أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملي، الراوي عن أبي عبيدة بن أبي السفر، كذا وقع اسمه في إسناد أبي نعيم، ولم أعرفه.

وقد قال الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (2/ 664الأولى، 627الجديدة): "أما من وصله، ففيه ضعف، فإن أبا حفص عمر بن إبراهيم قال الحافظ في التقريب: (صدوق، في حديثه عن قتادة ضعيف) " ا. هـ كلام الألباني، وهو وهمٌ عجيبٌ جدًّا من الشيخ - رحمه الله -، فأبو حفص - راوي حديثنا هذا - يروي عن أبي عبيدة بن أبي السفر - كما سبق -، وأبو عبيدة هذا من الطبقة الحادية عشرة (الطبقة الوسطى من الآخذين عن تبع الأتباع) - حسب تقسيم ابن حجر -، وشيوخه من صغار أتباع التابعين، وهذا يعني أن تلميذه أبا حفص المذكور من الطبقة الثانية عشرة (صغار الآخذين عن تبع الأتباع) أو من الطبقة التي بعدها، بينما أبو حفص - الذي نقل الألبانيُّ قولَ ابن حجر فيه - من الطبقة السابعة (كبار أتباع التابعين)، ويروي عن قتادة - كما صرح ابن حجر في كلمته المنقولة -، وقتادة من التابعين - كما هو معروف مشهور -، فهما اثنان بلا ريب.

وأبو أحمد هو إبراهيم بن محمد بن أحمد الهمداني، الراوي عن عمر بن إبراهيم، ولم أعرفه أيضًا، ولم يجد له الألباني - رحمه الله - ترجمة.

إلا أن الراوي عن الحسن بن الربيع: أبو عبيدة بن أبي السفر متكلَّم فيه (تهذيب التهذيب: 1/ 42)، وقد خالفه أحمد بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة حافظ (تهذيب التهذيب: 1/ 9)، فأرسل الحديث عن مجاهد، وروايته أرجح.

والحسن بن الربيع ثقة (تهذيب التهذيب: 2/ 242)، والمفضل بن يونس وثقه ابن معين، وأبو حاتم - على تشدده -، والفلاس، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: "ربما أخطأ" (تهذيب التهذيب: 10/ 247).

ب- ورواه ابن كثير - ولم أعرفه - عن إبراهيم بن أدهم عن أرطأة بن المنذر مرسلاً، وعن ابن كثير: واقد بن موسى المصيصي، ولم أعرفه أيضًا.

قال أبو نعيم عقب هذه الرواية: "كذا رواه ابن كثير عن إبراهيم فقال: عن أرطأة، والمشهور ما رواه المفضل بن يونس عن إبراهيم عن منصور عن مجاهد"، وكأنه يعلّ هذا الوجه، وهو حقيق بالإعلال، ففي رواته غير معروفين، وفيه مخالفة.

ج- ورواه خلف بن تميم عن إبراهيم بن أدهم عن منصور عن ربعي بن حراش عن الربيع بن خثيم مرسلاً.

وخلف قال فيه ابن معين: "هو المسكين، صدوق"، وقال يعقوب بن شيبة: "ثقة صدوق، أحد النساك والمجاهدين، صحب إبراهيم بن أدهم"، وقال أبو حاتم: "ثقة صالح الحديث"، وقال العجلي: "كوفي لا بأس به" (تهذيب التهذيب: 3/ 128).

وهذا يفيد أنه في مرتبة الصدوق، لا يبلغ مرتبة الثقة، وقَرْنُ أبي حاتم قولَهُ: "ثقة" بقولِهِ: "صالح الحديث" = يشير إلى ذلك، والله أعلم.

وقد قال أبو نعيم قبل أن يسند هذه الرواية: "ورواه خلف بن تميم أيضًا عن إبراهيم عن منصور فخالف المفضل ... " ثم أسنده، وإذا ضُمَّ كلامه هذا إلى قوله المنقول آنفًا: "والمشهور ما رواه المفضل"؛ عُلم أن يشير إلى إعلال رواية خلف بن تميم.

د- ورواه معاوية بن حفص عن إبراهيم عن منصور عن ربعي مرسلاً.

ومعاوية ثقة (تهذيب التهذيب: 10/ 184).

والراوي عنه موسى بن داود الضبي فيه كلام، وله أوهام (تهذيب التهذيب: 10/ 305).

هـ- واتفق علي بن بكار وطالوت على روايته عن إبراهيم بن أدهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة.

وعلي بن بكار من العُبّاد، قال فيه ابن سعد: "كان عالمًا فقيهًا"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال المزي: "روى عن إبراهيم بن أدهم وصحبه وتأدب به" (تهذيب الكمال: 20/ 330، تهذيب التهذيب: 7/ 253).

وطالوت لم أتبيّنه، وربما كان ابن عباد الصيرفي، لكن يعكر على هذا أن البخاري فرق بين الصيرفي وبين طالوت آخر له رواية عن إبراهيم بن أدهم (التاريخ الكبير: 4/ 363).

وأقوى هذه الروايات: المرسلة عن مجاهد، وعن إبراهيم بن أدهم، وقوّى أبو نعيم الأصبهاني رواية مجاهد المرسلة، قال - وسبق -: "والمشهور ما رواه المفضل بن يونس عن إبراهيم عن منصور عن مجاهد".

ويؤيد ذلك أن المفضل قال بعد روايته هذا الحديث: "لم يسند لنا إبراهيم بن أدهم حديثًا غير هذا"، فكأنه أضبطهم لحديثه عن إبراهيم، لأنه لم يسند له غيرَهُ.

ويظهر أن إبراهيم قصّر به مرةً فقاله من تلقاء نفسه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونشط مرةً فأسنده عن منصور عن مجاهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحفظ قوم الوجه الأول، وحفظ آخرون الثاني.

الخلاصة:

لا يثبت الحديث عن الثوري إلا من طريق خالد بن عمرو القرشي عنه، وخالد كذاب متهم.

ولا يثبت من طريق ابن عمر - رضي الله عنهما - ألبتة.

ولا يثبت عن إبراهيم بن أدهم إلا روايته من طريق مجاهد مرسلاً.

وقد ظهر خطأ تقوية رواية خالد بن عمرو بما جاء له من متابعات عن الثوري،

ومن الخطأ - كذلك - تقوية رواية الثوري بالمرسل، لأن رواية الثوري شديدة الضعف، بل ربما كانت مكذوبة مختلقة، ومثل هذا لا يقوِّي ولا يتقوَّى.

ويبقى الصحيح في هذا الحديث: الوجه المرسل عن مجاهد - رحمه الله -.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015