وقد أنكر عليه الأئمة هذا الحديث، وبينوا سبب ذلك:
أ- فقد سأل ابن أبي حاتم أباه - كما في العلل (2/ 107) - عن رواية محمد بن كثير، فقال: "هذا حديث باطل"، قال ابن أبي حاتم: "يعني بهذا الإسناد"، قال ابن رجب - في جامع العلوم والحكم (2/ 175) -: "يشير إلى أنه لا أصل له عن محمد بن كثير عن سفيان"،
ب- وأسند العقيلي في ضعفائه (2/ 10) رواية خالد بن عمرو، ثم قال: "وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني، ولعله أخذه عنه ودلسه، لأن المشهور به خالد هذا"، وهذا الاحتمال ظاهر؛ فقد تبيّن أنه متساهل في تحمّل الحديث، ولم يكن يفهم الحديث - كما قال أبو داود السجستاني -، فلا يضير عندَهُ - والحال هذه - أن يأخذ الحديث عن ذلك المتروك، ثم يعلو به إلى سفيان،
ج- وذكر ابن عدي في الكامل (3/ 31) أنه لا يدري ما علة رواية محمد بن كثير هذه، إلا أنه قال - مع ذلك -: "وهذا الحديث عن الثوري منكر".
* وإن كان محمد بن كثير هذا هو الشامي، فإنه متروك منكر الحديث، روى بواطيل البلاء فيها منه (تهذيب التهذيب: 9/ 372)، ولا يقل هذا درجةً عن خالد بن عمرو القرشي، ولا تُفيد روايتُهُ روايتَهُ تقويةً ولا عضدًا.
3 - رواية أبي قتادة عن سفيان الثوري:
وأبو قتادة هذا هو الحراني عبد الله بن واقد، بدلالة أمرين:
أ- أنه قد صرّح بذلك أبو نعيم الأصبهاني في الحلية (3/ 253) - ووقع فيه تحريف وتصحيف -، والخطيب البغدادي - كما نقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 175) عنه -،
ب- وأن الراوي عنه: يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، وقد ذُكر هذا في تلامذة أبي قتادة الحراني (تهذيب الكمال: 16/ 260).
وعبد الله بن واقد هذا أثنى عليه أحمد، والجمهور على تضعيفه، وبعضهم تَرَكَهُ، وذكر نُكْرَة حديثه، بل نُقل عن بعضهم أنه كذّبه. ثم قد ذَكَر أحمد - مع أنه أثنى عليه - احتمال كونه يدلّس (تهذيب الكمال: 16/ 260 - 262).
ومن هذه حاله فلا يعتد بمتابعته، ولا يُفرح بها، فإنها إن كانت مستقلّة؛ فهو متروك منكر الحديث عند الأكثر، ولا اعتبار لروايته، وإن كانت هذه المتابعة مدلَّسَةً، فالذي يظهر أنه دلّسها عن خالد بن عمرو القرشي، كما فعل محمد بن كثير، قال الألباني - رحمه الله -: "فيحتمل احتمالاً قويًّا أن يكون تلقاه عن خالد بن عمرو ثم دلسه عنه؛ كما قال ابن عدي في متابعة ابن كثير " (الصحيحة: 2/ 625)، وهذا يعيدنا إلى الرواية المنكرة الأولى.
4 - رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري:
وهذه ذكرها الخطيب - فيما نقل ابن رجب -، ولم أجدها، ولا يُدرى إسنادها.
ومهران فيه كلام، وضعفه غير واحد، وأثنى عليه غير واحد أيضًا، إلا أنه قد أُنكرت روايته عن سفيان خاصةً، قال يحيى بن معين: "كان شيخا مسلمًا، كتبت عنه، وكان عنده غلط كثير في حديث سفيان"، وقال العقيلي: "روى عن الثوري أحاديث لا يتابع عليها" (تهذيب التهذيب: 10/ 291).
فثبت من هذا كله أن الرواية عن سفيان دائرة بين متروك وَضَّاع، ومنكر حديث، وضعيف مدلس، وهذا لا يثبت به شيء في النظر الصحيح، بل قد يقال بأن الطرق كلها عائدة إلى خالد بن عمرو نفسه، وهذا قوي جدًّا.
وهذا يُظهر الخطأ الفادح في الاستشهاد بتلك الطرق لرواية خالد بن عمرو القرشي، وتقويتها بها، فرواية خالد بن عمرو بذاتها لا تفيد تقويةً ولا تستفيدها؛ لشدة نكارتها وضعفها، والمتابعات عائدة إلى تلك الرواية، أو شديدة الضعف مثلها.
ثم أين كان أصحاب سفيان الثوري الذي لازموه وحفظوا حديثه وكتبوه ووَعَوْه ورَوَوْه = عن هذا الحديث؟! وكيف يأتي أولئك الغرباء الضعفاء عن الثوري بما لم يأتِ به حفاظ حديثه الذين اختصوا به؟!!
5 - رواية زافر بن سليمان الإيادي:
وهذه علقها ابن عدي من وجهين:
- زافر عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل،
- وزافر عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن ابن عمر.
وزافر هذا كثير الأوهام (تهذيب التهذيب: 3/ 262)، ومحمد بن عيينة ضعّفه أبو حاتم بإتيانه بالمناكير (تهذيب التهذيب: 9/ 350)، ومثل هذين لا يحتمل منهما هذا الاختلاف وتعدد الأوجه، فروايتهما مضطربة منكرة، فضلاً عن أنها معلّقة لا يُدرى إسنادها.
6 - رواية مالك عن نافع عن ابن عمر:
وهذه أعجب روايات هذا الحديث وأغربها!
وفيها: أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس، كذاب (لسان الميزان: 1/ 269).
¥