ومعناه، فرواه الترمذي هكذا من رواية شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة. ورواه ابن ماجة من هذا الوجه بلفظ: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)). فهذا اضطراب لا يحتمل التأويل، وقول البيهقي: إنه لا يحفظ لهذا اللفظ الثاني إسنادًا، معارض بما رواه ابن ماجة هكذا، والله أعلم. والاضطراب موجب لضعف الحديث المضطرب؛ لإشعاره بعدم ضبط راويه أو رواته، والله أعلم)). انتهى كلامه رحمه الله.
فهذا كلامه رحمه الله على حديث آخر بطريقٍ واحدة، أو من وجه واحد كما عبر عنه العراقي.
وهذا الحديث الذي ذكره العراقي رحمه الله قد رواه كلٌّ من الترمذي
(3/ 39 - 40) (659،660)، والدارمي (1/ 471) رقم (1637)، والطبري (2/ 96)، والدارقطني (2/ 125) رقم (11/ 12)، وابن أبي حاتم
(1/ 288) رقم (1548) مختصر، والطبراني (24/ 403 - 404) رقم
(979)، والبيهقي (4/ 142) رقم (7242)؛ كلهم عن شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، عن النبي ? قال: ((إن في المال حقًّا سوى الزكاة)).
وأما ابن ماجة - والذي روى اللفظ الآخر - فقد رواه (2/ 372) رقم
(1789) باللفظ الذي ذكر العراقي، إلا أن الظاهر أن نُسخ ابن ماجة مختلفة في هذا الحديث، فقد قال أبو زرعة العراقي ولد الإمام العراقي في كتاب
((طرح التثريب)) (4/ 11): ((وهو عند ابن ماجة بلفظ: ((في المال
حق سوى الزكاة))، وفي بعض نسخه: ((ليس في المال حق سوى
الزكاة)))). اهـ
قلت: فالنسخة الموافقة للجماعة أولى بالقبول، وإلا فترجيح روايتهم على رواية ابن ماجة كما ذهب إليه السندي في حاشيته على ابن ماجة، وحكمَ على روايته بالخطأ.
كما أن مدار الحديث عند الجميع - حتى ابن ماجة - على أبي حمزة، وهو ميمون الأعور القصاب الكوفي الراعي، قال يحيى بن معين: ((ليس بشيء، لا يكتب حديثه))، وقال أبو حاتم: ((ليس بقوي يكتب حديثه))، وقال أحمد: ((متروك الحديث))، وقال مرةً: ((ضعيف الحديث))، وقال البخاري: ((ليس بذاك))، وقال الدار قطني: ((ضعيف الحديث))، وقال النسائي: ((ليس بثقة)).
فالحديث إذًا لا يثبت ولا يصح، لا بلفظ الجماعة ولا بلفظ بعض نسخ ابن ماجة.
ولذا قال الترمذي (3/ 40): ((إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون بن الأعور يُضَعَّف)). وقال النووي: ((ضعيف جدًّا))، كما نقله المناوي في
((الفيض)) (5/ 375).
وقد روى هذا الحديث حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن الشعبي، وفيه قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أنها قالت: يا رسول الله! إن لي سبعين مثقالاً من ذهب، قال: ((اجعليها في قرابتك)).
وليس فيه محل الشاهد. رواه الطبري (2/ 96) والطبراني (24/ 404)
(980). وانظر: ((النكت الظراف)) (12/ 465 - 466).
وقد تبع العراقي في حكمه باضطراب متن هذا الحديث ابنُ حجر، كما نقله عنه المناوي في ((الفيض)) (5/ 375).
ولكن لم يسلم لدعوى الاضطراب أيضًا هنا لوجوه:
الأول: إمكان الجمع، كما ذهب إليه السخاوي في ((فتح المغيث))
(1/ 279) فقال: ((حيث زال الاضطراب بإمكان سماعها - أي فاطمة بنت قيس- للفظين. وحمل المثبت على التطوع والنافي على الواجب)). وكذا قاله الأنصاري في ((فتح الباقي على ألفية العراقي)) (1/ 245). وانظر ((فيض
القدير)) (5/ 375).
الثاني: أن الترجيح ممكن بترجيح رواية الجماعة، ومعهم نسخة أخرى لابن ماجة، وإذا أمكن الجمع أو الترجيح بطل الاضطراب.
الثالث: أن هذا الحديث لم يكن الاضطراب هو الموجب لضعفه؛ لأنه في الأصل ضعيف؛ لضعف راويه، وهو أبو حمزة الأعور كما تقدم، لذا قال زكريا الأنصاري في ((فتح الباقي)) (1/ 245): ((لكن في سند الترمذي راوٍ ضعيف، فلا يصح مثالاً نظير ما مر أيضًا)).
وقد كان مر قوله (1/ 224): ((والحق أن التمثيل لا يليق إلا بحديثٍ لولا الاضطراب لم يضعف)).
وحديثنا هنا ليس كذلك، فضعفه لضعف راويه كما تقدم.
ولقد قال السخاوي في ((فتح المغيث)) (1/ 279): ((وقل أن يوجد مثالٌ سالمٌ منه)).
وقال ابن حجر في ((النزهة)) (ص127): ((لكن قلّ أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون الإسناد)).
¥