ولستُ غافلاً عن بيان أن بعض الأفاضل من الباحثين المعاصرين قد قال بما قاله الشارح، ولكني لم أجده في كتب الفن - المتيسرة لي -، إلا على النحو الذي ذكرته أعلاه.
وأختم بسؤال أطرحه على الشارح فأقول: هل المزيد من قبيل الجمع أم الترجيح عندك؟
والله الموفق لا رب سواه.
31 - قال الشارح (ص111): ((مثال الاضطراب في المتن حديث:
((ليس في الحلي زكاة))، وحديث: ((في الحلي زكاة))، وهو حديث واحد مرة روي بالنفي، ومرة روي بالإثبات. قال العراقي: إن هذا اضطراب واضح لا يمكن بحال من الأحوال الجمع بين الحديثين، ولا يمكن ترجيح أحد الحديثين، فيتوقف عن العمل بالحديثين معًا)) اهـ.
وأقول: هذا الكلام فيه أمور:
أولاً: اعلم أن هذا ليس حديثًا واحدًا كما زعمه الشارح أول كلامه، بل هما حديثان مستقلاّن عن صحابيين مختلفين، وهو الذي يدل عليه آخر نقل الشارح من كلام العراقي. ويظهر ذلك أن تعلم أن لفظ: ((ليس في الحلي زكاة)) جاء من حديث جابر بن عبدالله ?، كما أخرجه ابن الجوزي في
((التحقيق)) (2/ 42) رقم (981)، وقد حكم عليه الإمام الألباني بأنه باطل مرفوعًا في ((الإرواء)) رقم (817)، وذكر علله هناك، وعصب العلة بإبراهيم بن أيوب راويه عن عافية بن أيوب. ووقع له رحمه الله وهمٌ عندما نقل
(3/ 295) قول أبي حاتم: ((لا أعرفه)). وهذا إنما قاله أبو حاتم في إبراهيم بن أيوب الفرساني، أما الذي في إسناد هذا الحديث فهو إبراهيم بن أيوب الحوراني، ولم يقل فيه أبو حاتم: ((لا أعرفه))، إنما ذكره ابنه في ((الجرح والتعديل)) (3/ 88 - 89) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وانظر: ((لسان الميزان)) (1/ 53 - 54).
فظهر أنه لا يصح مرفوعًا من حديث جابر.
ولكن صوب الأئمة وقفه على جابر، كما قال البيهقي في ((المعرفة))
(6/ 144): ((الذي يرويه بعض فقهائنا مرفوعًا: ((ليس في الحلي زكاة)) لا أصل له، إنما يروى عن جابر من قوله غير مرفوع)).
وقال ابن عبد الهادي - كما في ((اللسان)) (3/ 650) -: ((الصواب وقفه)).
وذلك لأن له ثلاث طرق عن جابر موقوفًا:
الأولى: أبو الزبير عن جابر، وهو من رواية ابن جريج عند عبدالرزاق
(7048)، وابن أبي شيبة (3/ 46) (5). وأيوب عند عبدالرزاق (7049)؛ كلاهما عن أبي الزبير.
والثانية: من رواية ابن عيينة عند الشافعي في ((الأم)) (2/ 55)، والبيهقي في ((الكبرى)) (7539). وأيوب عند أبي عبيد في ((الأموال)) (1275). والثوري ومعمر عند عبدالرزاق (7046)؛ كلهم عن عمرو بن دينار عن جابر.
الثالثة: عن الشعبي عن جابر. وهي عند الدارقطني (2/ 107) رقم
(4)؛ لكن رواها عنه أبو حمزة ميمون الأعور، وهو ضعيف، والعمدة على الأولى والثانية.
فالصواب وقفه على جابر، وأنه صحيح عنه،كما صححه النووي في
((المجموع)) (6/ 34).
وأما لفظ: ((في الحلي زكاة)) - بالإثبات - فقد جاء هذا الحديث من حديث فاطمة بنت قيس: أخرجه الدارقطني (2/ 107) رقم (4)، فقال: حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن زيد الختلي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن غالب الزعفراني، ثنا أبي، عن صالح بن عمرو، عن أبي حمزة ميمون، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس: أن النبي ? قال: ((في الحلي زكاة)).
وعن أبي حمزة، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله قال: ((ليس في الحلي زكاة)). أبو حمزة هذا ميمون: ضعيف الحديث.
فظهر أن لفظ: ((ليس في الحلي زكاة)) صحيح من قول جابر ?، وبالإثبات ضعيف؛ لضعف ميمون القصاب الأعور، فحصل ترجيح.
فكيف يجعل هذا مثالاً للمضطرب؟
ويتضح ذلك فيما يلي:
ثانيا: نقل الأخ الشارح عن العراقي ما نقله آنفًا أنه حكم بالاضطراب على هذا الحديث، ولم نعثر على كلامه حول هذا الحديث مع البحث عنه قدر الطاقة، ولكن الذي وجدناه للعراقي إنما هو حول حديث آخر، ويظهر أن الأمر اختلط على أخينا الشارح كما تعودناه منه في شرحه هذا!
فقد قال العراقي في شرح ألفيته المسمى ((فتح المغيث)) (ص110 - 111) أو باسم ((التبصرة والتذكرة)) (1/ 244 - 245): ((ومثال المضطرب في المتن حديث فاطمة بنت قيس قالت: سألت - أو سئل - النبي ? عن الزكاة فقال: إن في المال لحقًّا سوى الزكاة)). فهذا حديث اضطرب لفظه
¥