قال شعبة: إذا خالفني سفيان في حديث فالحديث حديثه.
وقال يحيى بن سعيد: ليس أحد أحب إليّ من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان.
وقال أبو حاتم: أحفظ أصحاب الأعمش الثوري.
ورجح أحمد روايته عن الأعمش على شعبة.
وقال وكيع: ذكر شعبة حديثًا عن أبي إسحاق فقال رجل: إن سفيان خالفك فيه! فقال دعوه، سفيان أحفظ مني.
وقال أحمد: سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة.
وقال أبو حاتم: سفيان فقيه حافظ زاهد إمام أهل العراق وأتقن أصحاب أبي إسحاق، وهو أحفظ من شعبة، وإذا اختلف الثوري وشعبة فالثوري.
وقال أبو زرعة: كان الثوري أحفظ من شعبة في إسناد الحديث ومتنه.
فهذه أقوال الأئمة تبصرك بمراتب الثقات ومراتبهم.
ثم يا أخي! إذا كنت لا ترجح أحدهما على الآخر فكيف جعلته من المزيد في متصل الأسانيد؟ وهل تعرف حقيقة المزيد في متصل الأسانيد؟ إنَّ حكمك على حديثٍ بذلك إقرارٌ منك بأن الذي لم يزد أتقن ممن زاد، وهو في المثال الذي ذكرته الثوري أتقن من شعبة، فهل عقلت هذا لما مثلت
بمثالك؟!
وقال ابن حجر في ((النزهة)) (ص126): (((أو إن كانت المخالفة بزيادة راوٍ) في أثناء الإسناد، ومن لم يزدها أتقن ممن زادها (فـ) هذا هو
(المزيد في متصل الأسانيد). وشرطه أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، وإلا فمتى كان معنعنًا مثلاً ترجحت الزيادة)).
وأقول: لعل الأخ الشارح لما تحدث في هذا النوع من علوم الحديث لم يفهم تعريفه السابق عن ابن حجر، أو أن عنده تعريفًا آخر فليفدنا به!
30 - قال الشارح - هداه الله - (ص107): ((وأخذ من صنيع البخاري أنه قبل الحديثين واعتبر حديث شعبة من المزيد في متصل الأسانيد)).
أقول - وبالله التوفيق -: وهذا يؤكد ما سبق أن الشيخ الشارح ما عقل إلى الآن تعريف المزيد وشروطه، أو أن لديه تعريفًا آخر خلاف ما قاله الحافظ وغيره.
فنسبة هذا إلى البخاري فيه نظر؛ وهاكَ كلام ابن حجر حول الحديث الذي مثَّل به الشارح؛ لتعرف مَن حكم عليه بأنه من المزيد ومن لم يحكم
- ومنهم البخاري- ولماذا؟
قال الحافظ في ((الفتح)) (8/ 693): ((ورجح الحفاظ رواية الثوري، وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد. وقال الترمذي: كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة، وأما البخاري فأخرج الطريقين، فكأنه ترجح عنده أنهما جميعًا محفوظان، فحمل على أن علقمة سمعه أولاً من سعد ثم لقي أبا عبدالرحمن فحدثه به، أو سمعه مع سعد من أبي عبدالرحمن فثبته فيه سعد)) اهـ.
وبعد هذا؛ فأنصح بمراجعة ما كتب حول هذا النوع وشروطه في كتب الحديث، وإنما هي إشارات فقط، والمقام لا يسع أكثر من ذلك.
كما أن المثال الذي ذكره الشارح (ص108) للزيادة المردودة هو المثال الذي مثل به ابن الصلاح، وأقره ابن كثير، ومثل به أحمد شاكر في معرفة المزيد من متصل الأسانيد. انظر ((الباعث)) (2/ 485).
وللفائدة: أذكر مثالاً آخر، وهو حديث أبي هريرة ? في قصة ثمامة بن أثال ?، فقد رواه البخاري عن الليث بن سعد قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة ... الحديث. قال الحافظ في ((الفتح)) (7/ 688 -
689): ((وقد صرح فيه بسماع سعيد المقبري له من أبي هريرة، وأخرجه ابن إسحاق عن سعيد فقال: عن أبيه عن أبي هريرة، وهو من المزيد في متصل الأسانيد، فإنَّ الليث موصوف بأنه أتقن الناس لحديث سعيد المقبري، ويحتمل أن يكون سعيد سمعه من أبي هريرة، وكان أبوه قد حدثه به قبل أو ثبته في شيء منه فحدث به على الوجهين)).
فظهر جليًّا من كلام الحافظ أنه حكم بالزيادة؛ لأن من لم يزد - وهو الليث - أوثق ممن زاد، ثم ذكر الاحتمال الآخر وجعله على الوجهين.
وأجدني هنا مضطرًّا أن أقول: إن الأخ الشارح قد أكثر الخطأ على الأئمة والعلماء، سواءً في نقل كلامهم وتصوير مذاهبهم، أو في سوء الفهم لكلامهم، والله المستعان.
وانظر للاستزادة ((فتح المغيث)) (4/ 73)، ومن قوله هناك: ((وحينئذٍ فهذا هو النوع المسمى بالمزيد في متصل الأسانيد المحكوم فيه بكون الزيادة غلطًا من راويها أو سهوًا)).
¥