ـ[محمد الأمين]ــــــــ[16 - 02 - 04, 06:20 م]ـ
12 - قال الشارح (ص36): ((الحديث الصحيح إذا كان رجاله رجال البخاري ومسلم فهو صحيح على شرط البخاري ومسلم)).
أقول - وبالله التوفيق -: هذا الكلام على إطلاقه غير صحيح، بل هو خطأ، فإنه لو جاءنا حديث رجاله من رجال البخاري ومسلم - أي روى لهم البخاري ومسلم - لا نقول: على شرطهما، إلاّ إذا كان الحديث على الصفة التي روى له الشيخان. ولذا نبه العلماء على أوهام الحاكم في
((المستدرك)) مما يقول: على شرطهما، وليس كذلك.
ومن ذلك ما قاله الإمام الزيلعي في ((نصب الراية)) (1/ 342): ((بل الحاكم كثيرًا ما يجيء إلى حديث لم يخرج لغالب رواته في الصحيح، كحديث روي عن عكرمة عن ابن عباس، فيقول فيه: هذا حديث على شرط البخاري، يعني: لكون البخاري أخرج لعكرمة، وهذا أيضًا تساهل، وكثيرًا ما يخرج حديثًا بعض رجاله للبخاري وبعضهم لمسلم، فيقول: هذا على شرط الشيخين، وهذا أيضًا تساهل، وربما جاء إلى حديث فيه رجل قد أخرج له صاحبا الصحيح عن شيخ معين لضبطه حديثه وخصوصيته به، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه، أو لعدم ضبطه حديثه، أو لكونه غير مشهور بالرواية عنه، أو لغير ذلك، فيخرج هو عن غير ذلك الشيخ، ثم يقول: هذا على شرط الشيخين، أو: البخاري، أو: مسلم، وهذا أيضًا تساهل؛ لأن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره، فلا يكون على شرطهما، وهذا كما أخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وغيره، ولم يخرجا حديثه عن عبدالله بن المثنى، فإن خالدًا غير معروف بالرواية عن ابن المثنى. فإذا قال قائل في حديثٍ يرويه خالد بن مخلد عن ابن المثنى: هذا على شرط البخاري ومسلم، كان متساهلاً)) اهـ.
وقال الإمام أبو عبدالله ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (5/ 325 - 326): ((فهذه طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله: يصححون حديث الرجل ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات، ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير، فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له، أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره. وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس:
طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح! وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات ولم يكن معلولاً، ويتركون من حديثه المعلول وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به، فإن لهم في هذه نظرًا واعتبارًا اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا أن يكون صحيحًا، ولهذا كثيرًا ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة بأنه لا يتابع عليه.
والطائفة الثانية: يرون الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه وضعف من أجله، فيجعلون هذا سببًا لتضعيف حديثه أين وجدوه! فيضعفون من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته.
وهذا باب قد اشتبه كثيرًا على غير النقاد)) اهـ.
فافهم ما تقدم، والله أعلم.
13 - قال الشارح - في تعريف الحديث الحسن - (ص39): ((هو ما اتصل سنده بنقل العدل خفيف الضبط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة)).
أقول - وبالله التوفيق -: قوله: ((خفيف الضبط عن مثله إلى منتهاه)) يعطي أن يكون خفيف الضبط عن خفيف الضبط. هذا الذي يعرفه أدنى قارئ لهذه العبارة، وكون هذا هو الحسن باطلٌ قطعًا، ولا يرتضيه الشارح نفسه، ولهذا لما جاء الشارح ليطبق المثال لم يكن في سنده إلا خفيف ضبط واحد، وهو ابن إسحاق؛ لذا قال (ص40): ((فإسناد الحديث كله ثقات ما عدا محمد بن إسحاق، فقالوا: صدوق حسن الحديث، فهذا الحديث يصلح أن يكون مثالاً للحديث الحسن لذاته)).
إذًا؛ ظهر أن الحديث الحسن هو الذي يكون في سنده خفيف ضبط، بخلاف ما يعطيه التعريف الذي ذكره الشارح، فأصاب في التمثيل وأخطأ في التعريف، ولعله تبع في هذا الخطأ في التعريف محمودًا الطحَّان في كتابه ((تيسير مصطلح الحديث)) (ص46) حيث جعله التعريف المختار، فلعل الشارح أخذه منه.
¥