8 - ذكر الشارح وفقه الله (ص30) حديث علي ? في المذي مستدلاّ به على قبول علي ? لخبر الواحد، وأيضًا مدلّلاً به على ضعف حديثه الآخر في الاستحلاف والتوثق الذي خرجه القائم على نشر الكتاب أبو عبيدة جزاه الله خيرًا. وأقول:

أولاً: هذا الحديث قد اختلفت فيه أقوال الأئمة؛ فقد حسنه الإمام الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) (1/ 11)، وهو ظاهر صنيع المزي في ((تهذيب الكمال)) (2/ 534 - 535)، فقد رد على البخاري في تضعيفه، وذكر للحديث طرقًا أخرى، وجَوَّد الحديث موسى بن هارون كما في ((التهذيب)) لابن حجر، وابن عدي في ((الكامل)) (1/ 431)، وقال: ((وهذا الحديث طريقه حسن، وأرجو أن يكون صحيحًا)). وتبعهم الإمام الألباني فحسنه كما نقله المعتني بالكتاب.

لكن ضعف الحديث إمام الصنعة البخاري كما هو ظاهر صنيعه في

((التاريخ الكبير)) (2/ 54)، وتبعه العقيلي (1/ 123)، ونصَر ضعف الحديث ابنُ حجر، ورد على المزي تقويته للحديث في ((التهذيب)) (1/ 171)، وقال عن المتابعات التي أوردها المزي: ((قلت: والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئا؛ لأنها ضعيفة جدًّا)).

قال أبو العباس: أسماء غير مشهور بالرواية عن علي، وقليل الحديث جدًّا؛ ذكروا له حديثين فقط، مع كونه ممن يخطئ فيحتاج إلى متابعة صحيحة، وهذا ما لا يوجد كما تقدم في كلام ابن حجر، والله أعلم.

وكان ذكر ما تقدم من باب زيادة الفائدة.

ثانيًا: لأهل العلم موقف تجاه هذا الحديث والاستدلال به على قبول خبر الواحد؛ لروايات أخرى فيها وجود عليٍّ وحضوره عند السؤال:

فقال ابن دقيق العيد في ((إحكام الأحكام)) (1/ 77): ((ومع هذا فالاستدلال عندي لا يتم بهذه الرواية وأمثالها؛ لجواز أن يكون المقداد سأل رسول الله ? عن المذي بحضرة علي ? فسمع علي الجواب، فلا يكون من باب قبول خبر الواحد، وليس من ضرورة كونه سأل عن المذي بحضرة علي ? أن يذكر أنه هو السائل.

نعم؛ إن وجدت رواية مصّرحة بأن عليًّا أخذ هذا الحكم عن المقداد ففيه الحجة)) اهـ.

وقال ابن حجر: ((واستدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع، وهو خطأ؛ ففي النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر)). ((الفتح)) (1/ 278).

وقال في موضع آخر: ((والظاهر أن عليًّا كان حاضر السؤال، فقد أطبق أصحاب المسانيد والأطراف على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد)). ((الفتح)) (1/ 452).

ثم توسَّع في نقل الروايات ومن جمع بينها من العلماء، فارجع إليه

وتأمله، والله الموفق لا رب غيره.

9 - ذكر الشارح (ص33) قصة نصيحة أبي حاتم الرازي لسفيان بن وكيع، ولكن بالرجوع إلى المصدر في ((الجرح والتعديل)) (4/ 231 - 233) ظهرت فروق بين الأصل وما ذكره الشارح، إلا أن يكون نقلها من مصدرٍ آخر، وإن كان الغالب أنها من ((الجرح والتعديل)).

وذكر الشارح التصريح بأبي زرعة مع أبي حاتم، كما ذكر أنهما قالا:

((نميز صحيح حديثك من سقيمه)).

وأذكر هنا القصة كما رواها ابن أبي حاتم؛ ليظهر أن الأخ الشارح يتجوَّز كثيرًا في نقل القصص والوقائع والأقوال، اعتمادًا على الحفظ وليس من أهله، والأولى له ولأمثاله الرجوع - وبكثرة - إلى المصادر الأصلية لتوثيق المعلومات وتصوُّرِها قبل طرحها على الطلبة والقراء سماعًا وقراءة، أشرطة وكتبًا.

قال ابن أبي حاتم: ((سمعت أبي يقول: جاءني جماعة من مشيخة الكوفة فقالوا: بلغنا أنك تختلف إلى مشايخ الكوفة تكتب عنهم وتركت سفيان بن وكيع، أما كنت ترعى له في أبيه؟ فقلت لهم: إني أوجب له، وأحب أن تجري أموره على الستر، وله ورّاق قد أفسد حديثه. قالوا: فنحن نقول له أن يبعد الورّاق عن نفسه. فوعدتهم أن أجيئه، فأتيته مع جماعة من أهل الحديث وقلت له: إن حقك واجب علينا في شيخك وفي نفسك، فلو صنت نفسك وكنت تقتصر على كتب أبيك لكانت الرحلة إليك في ذلك، فكيف وقد سمعت؟ فقال: ما الذي ينقم عليّ؟ فقلت: قد أدخل ورّاقك في حديثك ما ليس من حديثك! فقال: فكيف السبيل في ذلك؟ قلت: ترمي بالمخرجات وتقتصر على الأصول ولا تقرأ إلا من أصولك، وتنحي هذا الورّاق عن نفسك، وتدعو بابن كرامة وتوليه أصولك فإنه يوثق به. فقال: مقبول منك. وبلغني أن ورّاقه قد أدخلوه بيتًا يتسمع علينا الحديث، فما فعل شيئًا مما قاله، فبطل الشيخ، وكان يحدث بتلك الأحاديث التي قد أدخلت بين حديثه)) اهـ.

فهذا نص الواقعة؛ وقد يقول قائل: ومن بإمكانه حفظ هذا؟

أقول: من لم يحفظها فليروها بالمعنى، فليست بأجل من الحديث النبوي، ولكن يتحرى الصواب والصدق فيها، فأين أبو زرعة؟ وأين قوله: ((نميز صحيح حديثك))؟! إنما أمروه بالرجوع إلى أصوله وتنحية الورّاق، والله الموفق وحده.

10 - كما أنه - أصلحه الله - لما تحدث عن عبد الله بن صالح كاتب الليث قال (ص33): ((فأصبح يحدث بالمناكير، فأسقطوا حديثه لهذا

السبب)).

قلت: لو أنه أشار إلى التفصيل في حاله، والفرق بين رواية النقاد عنه ورواية غيرهم، وما ذكر من رواية البخاري عنه، بل وإكثاره عنه، وأن أكثر تعليقاته في ((صحيحه)) التي عن الليث بن سعد هي عن أبي صالح عبد الله بن صالح!

وأنصح بمراجعة ما كتبه الحافظ ابن حجر في ((هدي الساري))

(ص434 - 435) حول رواية عبد الله بن صالح، فإن الأخ سعدًا لا يسلك مسلك علماء هذا الفن من التفصيل والبيان فيمن يستحق ذلك من الرواة كما سبق.

وسيأتي عند الحديث عن حماد بن سلمة زيادة بيان لهذا، والله الموفق.

(قلت هذا كلام فيه مبالغة، والكلام التالي عن حماد قد حذفته لما فيه من اتهام الشيخ بالخبط والخلط والكذب بإسلوب فج غير علمي)

11 - 11 - قال الشارح - عفا الله عنا وعنه - (ص 36): ((وهذه الرواية والرواية التي قبلها لا تعتبر من الدرجة العليا من الصحيح؛ لأن هناك من تكلم في مثل هؤلاء الرواة، فرواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس لم يحتج بها، وإنما اعتبروها في الشواهد والمتابعات، وأما مسلم فاحتج بها)) اهـ.

(الباقي حذف)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015