وأقول: حبذا لو كان الشارح نبه إلى أنَّ الإمام الشافعي كان أسبق من الإمام مسلم في ذلك في كتابه ((الرسالة))، فكما أن ((الرسالة)) من أول ما صنف في أصول الفقه، فإنها كذلك من أوائل ما ألف في أصول الحديث وقواعده، وتحدث الإمام الشافعي عن مباحث في ((الرسالة)) لم يتعرض لها مسلم.

وقد قال البيهقي رحمه الله: ((ومن نظر في علومه ووقف على أصوله وفروعه بالنَّصَفَة استغنى عن جواب مثلي عنه، فله في كتاب ((الرسالة)) وغيرها في معرفة الحديث فصول لم يسبق إليها، وعنه أخذها أكثر من تكلم في هذا النوع من العلم في وقته وبعده، رحمهم الله تعالى، كعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل وغيرهما)). ((بيان الخطأ)) (ص335).

قلت: ومن نظر في ((الرسالة)) وجد ذلك لا محالة، ففيها من الكلام عن أصول علم الحديث روايةً ودرايةً الشيء الذي ينفع الله به طالب العلم، ويثبته على هذا السبيل، والله الموفق.

3 - قال الشارح: ((فمثلاً النووي رحمه الله اختصر مقدمة ابن الصلاح في كتابه ((التقريب))، ثم جاء بعده السيوطي فشرح ((التقريب)) في ((تدريب الراوي)))) اهـ (ص8).

قلت: هذه العبارة تعوزها الدقة العلمية، فإن ((التقريب)) للنووي إنما هو اختصار لكتابه ((الإرشاد)) الذي هو اختصار لكتاب ابن الصلاح، وفي ذلك يقول النووي نفسه رحمه الله: ((وهذا كتاب اختصرته من كتاب ((الإرشاد)) الذي اختصرته من ((علوم الحديث)) للشيخ الإمام الحافظ المتقن أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن، المعروف بابن الصلاح ?)). ((التقريب)) مع

((تدريب الراوي)) (1/ 59). ت/ الفاريابي.

وما ذكره النووي هو الأدق في التعبير، والأصوب في التعريف، كما أفادنا النووي أن كتاب ابن الصلاح اسمه ((علوم الحديث)) وليس كما اشتهر باسم ((مقدمة ابن الصلاح))، والشارح مشى على غير الصواب في اسم الكتاب أيضًا.

4 - قال الشارح - عند قول الحافظ: ((فسألني بعض الإخوان)) -:

((فمن جملة من سأل الحافظ ابن حجر الزركشي، وهو أحد تلاميذه)). (ص10).

قال مقيده - عفا الله عنه -: هذا الكلام يحتاج إلى إيضاح وبيان، فالزركشي هذا هو القاضي المقرئ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر البغدادي الزركشي. قال السيوطي: ((أصله من شيراز، ثم سكن القاهرة، أتقن القراءة والعروض، مات في ذي الحجة سنة ثلاثين وثمانمائة)). ((حسن المحاضرة)) (1/ 441). أي قبل الحافظ ابن حجر بنحو اثنين وعشرين عامًا.

وذكر السخاويُّ الزركشيَّ هذا في شيوخ الحافظ ابن حجر، وجعله في القسم الثالث من شيوخه، وهم من وصفهم بقوله: ((الثالث: فيمن أخذ عنه - أي ابن حجر - مذاكرةً أو إنشادًا، أو سمع خطبته أو تصنيفه، أو شهد له ميعادًا، وربما يكون في كل منهما - أي هذا القسم والذي قبله - من تلمذ له، وعنه استفاد، على جاري العادة بين الحفاظ والنّقاد)). ((الجواهر والدرر)) (1/ 200). وذكره باسمه (ص236).

ثم ذكره السخاوي في الباب الثامن في سرد جماعة ممن أخذ عن الحافظ دراية أو رواية، وقال: ((محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر، الشمس الزركشي، المترجم في معجم صاحب الترجمة، والد عبدالصمد، سمع عليه بعض ((تغليق التعليق)) في سنة ثمان وثمانمائة)). المصدر السابق (3/ 1162) رقم (532).

وهناك زركشي حنبلي وزركشي شافعي، ولكنهما أقدم وفاةً من هذا، فالأول توفي سنة 772، والثاني سنة 794.

كما أن الزركشي هذا إنما سأل ابن حجر تصنيف ((النزهة)) لا

((النخبة))، والشارح يتكلم عن ((النخبة)). وهذا أفاده السخاوي حيث قال متحدثًا عن ((النزهة)) بعد ((النخبة)): ((شرحها المسمى ((نزهة النظر)) في مجلد لطيف، دمجها فيه، وتنافس الفضلاء من أبناء العرب والعجم في تحصيله والاعتناء به … وكان التمس منه تصنيفه صاحبُه الشيخ شمس الدين الزركشي والد عبدالصمد)) اهـ. المصدر السابق (2/ 677ـ 678).

ولذا قال الحافظ: ((فرغب إلىّ جماعة ثانيًا أن أضع عليها - ((النخبة)) - شرحًا يحلّ رموزها … الخ)). ((النزهة)) (ص52). ط. الحلبي.

ومِنْ هؤلاء الزركشي السابق ذكره، فلا يخلط بين الكتابين، والطلبين، والرغبتين، والله الموفق.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015