قال أبو العباس – عفا الله عنه -: وهذه الفتوى من الحميد فيها خلط عجيب، وأمر لا يطاق، بل وفيها استغفال للطلبة والقراء الذين لا يراجعون ما يقول لهم، ومن قرأ هذه التعليقات تحصل لديه قناعة بأن الأخ الشيخ الحميد - غفر الله له - عنده تجرّأٌ غريبٌ على المعلومات.
وبيان ذلك باختصار: أن للعراقي رحمه الله ثلاثة كتب تخريجية لكتاب الغزالي ((الإحياء)): كبير واسمه ((إخبار الأحياء بأخبار الإحياء))، ومتوسط واسمه ((الكشف المبين عن تخريج إحياء علوم الدين))، وصغير واسمه ((المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار))، وهو نفسه المطبوع في حاشية ((الإحياء)).
فتصورُ هذا يكفي في بطلان فتوى الحميد!! ولكن حتى لا يبقى شك لدى القارئ أسوق له كلام جمع من الأئمة ()، فأقول:
? قال الحافظ السخاوي في ((التحفة اللطيفة)) (2/ 561): ((وله تخريج ((الإحياء)) كبير، ومتوسط، وصغير. والصغير هو المتداول سماه ((المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار)))).
? وقال نحوه في ((القبس الحاوي)) (1/ 37).
? وقال التقي ابن فهد في ((لحظ الألحاظ)) (ص229 - 230): ((له المؤلفات المفيدة المشهورة في علم الحديث، والتخاريج الحسنة، من ذلك:
((إخبار الأحياء بأخبار الإحياء)) في أربع مجلدات، فرغ من تسويده في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، قرأ عليه شيئًا منه الحافظ عماد الدين ابن كثير، وقد بيض منه نحوًا من خمسة وأربعين كراسًا وصل فيها إلى أواخر الحج، قرأ عليَّ ذلك ابنه شيخنا الحافظ أبو زرعة أحمد، وينتهي إلى قوله: الحديث الثامن والعشرون وقال ?: ((لم يصبر على شدتها ولأوائها أحد إلا كنت له شفيعًا يوم القيامة))، وبعد ذلك بخمس ورقات من التبييض لم يقرأها. ثم اختصره في مجلد ضخم سماه ((المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأخبار))، فاشتهر وكتب منه نسخ عديدة، وسارت به الركبان إلى الأندلس وغيرها من البلدان، فبسبب ذلك تباطأ الشيخ عن إكمال تبييض الأصل، وشرع قبل ذلك في مصنف متوسط بين المطوَّل والمختصر، فذكر فيه أشهر أحاديث الباب سماه ((الكشف المبين عن تخريج إحياء علوم الدين))، كتب منه شيئًا يسيرًا وحدث ببعضه، قرأه عليه شيخنا نور الدين الهيثمي)).
? وأما الزبيدي فقال في ((إتحاف السادة المتقين)) (1/ 55): ((وإنما خرج أحاديثه الإمام الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في كتابين: أحدهما كبير الحجم في مجلدات، وهو الذي صنفه في سنة 751، وقد تعذر الوقوف فيه على أحاديثه، ثم ظفر بكثير مما غرب عنه إلى سنة 760، ثم اختصره في مجلد وسماه ((المغني عن حمل الأسفار)) اقتصر فيه على ذكر طريق الحديث وصحابيه ومخرِّجه وبيان صحته وضعف مخرجه)).
وكأن الأخ لم يقرأ مقدمة المطبوع مع الإحياء!
من مواقف العلماء للاقتداء:
بين الإمامين عبد الغني بن سعيد والحاكم أبي عبدالله:
قال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (12/ 7 - 8): ((وقد صنف الحافظ عبد الغني هذا كتابًا فيه أوهام الحاكم، فلما وقف الحاكم عليه جعل يقرؤه على الناس ويعترف لعبد الغني بالفضل ويشكره، ويرجع فيه إلى ما أصاب فيه من الرد عليه، رحمهما الله)).
وفي ((السير)) (17/ 270): ((قال عبد الغني بن سعيد المصري: لما رددت على أبي عبد الله الحاكم الأوهام التي في ((المدخل)) بعث إليَّ يشكرني ويدعو لي، فعلمتُ أنه رجل عاقل).
والله الموفق.
لماذا لم أبعث بالملاحظات إلى الشارح؟
والجواب:
أن الشارح قد نُبِّه على هذا من غيري، حيث ذهب إليه أحد الفضلاء () في مسجد الراجحي في مدينة الرياض في درس الشيخ ابن
جبرين، وكان الشارح يقرأ عليه كتاب اللالكائي، وأخبره عقب الدرس بأن في شرحه أخطاءً، فقال الحميد: لعلها من الناشر، فقال له: لا؛ بل هذه أخطاء في المعلومات منك أنت. فقال: اعطها الناشر! أو نحو هذا الكلام. ثم أخذ في الحديث مع غيره، ولم يعطه وجهًا. وهذا من قبيح التصرفات في مثل هذه المواطن، وذلك أن الحريص على الفائدة والعلم تجد منه الفرح والاعتناء بما يُعرض عليه ويُفاد به، لا الإعراض وعدم المبالاة!
دعوة ناصحة:
وأدعو جميع إخواني طلبة العلم إلى ترويض أنفسهم على الرجوع إلى
الحق، وقبوله ممن جاء به، ولنا في هدي نبينا ? و سير أسلافنا وأئمتنا
عبرة، ومنها ما تقدم ذكره. وكذا لنا أسوة في أئمة العصر، كالشيخ الإمام محدث العصر الألباني رحمه الله، فما أكثر ما ينُص في مصنفاته وكتبه على تراجعاته، ويعزو الفضل لصاحبه، فإننا يا إخواني الأفاضل في زمن لا يقوم بالعلم الرجل وحده، وهو بإخوانه ونصحهم وتوجيههم ونقدهم أكمل منه بدون ذلك، ولا يغرنكم شهادات ولا شهرة، فالعلم وراء ذلك، والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويجمع كلمتهم على الحق والهدى، ويوحد صفهم على هدي السلف، ويبصرهم ويقيهم كيد أعدائهم في الداخل والخارج، ويرزقنا والمسلمين الفقه في دينه والدعوة إليه على
بصيرة، ويحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
وكتب: أبو العباس عادل بن محمد
مدينة الرياض
وانتهيتُ من إعادة النظر فيه وتعديله في 8/ 11/ 1422هـ
¥