- والنعمان بن المنذر - وهو صدوق - ومحمد بن الوليد الزبيدي - وهو من الثقات الأثبات - روياه عن مكحول على وجه،
- ومحمد بن إسحاق - وحديثه لا بأس به على الراجح، ما لم يعنعن -، رواه عن مكحول على وجه،
فهذه أربعة أوجه متباينة، وقوتها تكاد تكون متساوية، وهذا هو الحديث المضطرب بعينه.
واضطراب مكحول هو ما حكم به:
1 - الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (ت370)، قال: «واحتج موجبو القراءة خلف الإمام بحديث محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت ... وهذا حديث مضطرب السند، مختلف في رفعه، وذلك أنه رواه صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن مكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة عن عبادة، ونافع بن محمود هذا مجهول لا يعرف، وقد روى هذا الحديث ابن عون عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع موقوفًا على عبادة لم يذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وإنما أصل حديث عبادة ما رواه يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن»، فلما اضطرب حديث عبادة هذا الاضطراب في السند والرفع والمعارضة، لم يجز الاعتراض به على ظاهر القرآن والآثار الصحاح النافية للقراءة خلف الإمام» (أحكام القرآن له: 4/ 219، 220).
2 - الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، قال: «أما حديث محمد بن إسحاق فرواه الأوزاعي عن مكحول عن رجاء بن حيوة عن عبدالله بن عمرو (1) ... ، ورواه زيد بن واقد عن مكحول عن نافع بن محمود عن عبادة، ونافع هذا مجهول، ومثل هذا الاضطراب لا يثبت فيه عند أهل العلم بالحديث شيء، وليس في هذا الباب ما لا مطعن فيه من جهة الإسناد غير حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة» (التمهيد: 11/ 46).
3 - ابن التركماني، قال: « ... والكلام في ابن إسحاق معروف، والحديث مع ذلك مضطرب الإسناد» (الجوهر النقي: 2/ 164).
4 - التهانوي، قال: «ورواه مكحول مرة عن عبادة بن الصامت مرسلاً ... ، وأخرى عن نافع بن محمد عن عبادة ... ، وتارة عن محمود عن أبي نعيم أنه سمع عبادة ... ، وقال مكحول مرة عن نافع عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت ... ولعمري لو كان مثل هذا الاختلاف والاضطراب في حديث احتج به الحنفية ... (2)» (إعلاء السنن: 4/ 108).
ولا يمكن مع اجتماع هذه الأمور الثلاثة الحكم بأن مكحولاً حفظ الحديث من وجهين ورواه بهما.
وأما قول البيهقي: «فهذا حديث سمعه مكحول الشامي وهو أحد أئمة أهل الشام من محمود بن الربيع ونافع بن محمود كلاهما عن عبادة بن الصامت، وسمعه حرام بن حكيم من نافع بن محمود عن عبادة، وسمعه رجاء بن حيوة وهو أحد أئمة أهل الشام من محمود بن الربيع عن عبادة، إلا أن من شأن أهل العلم في الرواية أن يروي الحديث مرة فيوصله، ويرويه أخرى فيرسله، حتى إذا سئل عن إسناده فحينئذ يذكره، ويكون الحديث عنده مسندًا وموقوفًا، فيذكره مرة مسندًا ومرة موقوفًا، والحجة قائمة بموصوله وموقوفه، وفي وصل من وصله دلالة على صحة مخرج حديث من أرسله، وإرسال من أرسله شاهد لصحة حديث من وصله» (جزء القراءة، ص69) = فالظاهر أنه لا يجري على أصول المحدثين وقواعدهم، فإن في المسألة تعارضًا بين الرفع والوقف، وينبغي أن يحكم لأحدهما حسب القرائن المحيطة بالرواية، ولا يصح أن يستشهد لوصل من وصله بإرسال من أرسله، لأنه استشهاد للحديث بعلّتِهِ، فإذا كانت الطريق الموصولة معلولة، وعلتها الطريق المرسلة، فكيف تشهد هذه لهذه؟!
وأما كون الحديث عند الراوي مسندًا وموقوفًا، فلعله يُلجأ إلى هذا إذا تكافأت الراويات عن الراوي، وظهر أنه أسنده مرة ووقفه مرة، أما والروايات غير متكافئة، فالترجيح أولى أن يُصار إليه. والله أعلم.
¥