- حمَّل بعض الأئمة الوليد بن مسلم الخطأ في الوجه الثاني، قال الإمام يحيى بن صاعد: «قوله: "عن أبي نعيم" إنما كان أبو نعيم المؤذن، وليس هو كما قال الوليد: "عن أبي نعيم عن عبادة"» (سنن الدارقطني: 1/ 319)، وقال البيهقي في السنن: «وهذا خطأ، إنما المؤذن والإمام كان أبو نعيم»، وقال في جزء القراءة: «وقد غلط الوليد بن مسلم في إسناده فرواه ... » ثم أسند رواية الوليد بن مسلم، ثم قال: «أبو نعيم كان المؤذن، والراوي عن عبادة محمود بن الربيع، فغلط فيه الوليد».
وربما برأنا ساحة الوليد بن مسلم من هذا الخطأ، وحملناه مكحولاً، لأن هذا الاختلاف الشديد واقع عليه، فاحتمال الخطأ منه أكبر.
وقد نفى خطأ الوليد التهانويُّ بأنه لما كان قد رواه عن الجماعة على هذا الوجه، فإنه يحصل بروايته عن الجماعة زيادة حفظ وتثبت، لأنهم سيتفقون على هذا الوجه (إعلاء السنن: 4/ 109)، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن تحميل الوليد الخطأ إنما كان في روايته لا في تحمله، فإنه وإن تحمله عن الجماعة على وجهٍ فقد أخطأ في روايته عنهم فأدخل فيه أبا نعيم.
لكن احتمال تبرئة الوليد من الخطأ قائم، وإنما المقصود عدم موافقة التهانوي على وجه تبرئة الوليد من الخطأ في هذه الرواية.
وقد حكم بعض الأئمة بأن مكحولاً يروي الوجهين عن محمود بن الربيع ونافع بن محمود كلاهما عن عبادة، ولم ير هذا اضطرابًا منه، قال موسى بن سهل الرملي: «سمع مكحول من محمود بن الربيع ومن نافع بن محمود بن الربيع»، وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ: «مكحول سمع هذا الحديث من محمود بن الربيع ومن ابنه نافع بن محمود بن الربيع، ونافع بن محمود وأبوه محمود بن الربيع سمعاه من عبادة بن الصامت رضي الله عنه»، وقال ابن حبان: «وعند مكحول الخبران جميعًا عن محمود بن الربيع ونافع بن محمود بن ربيعة»، وقال البيهقي: «سمعه مكحول الشامي وهو أحد أئمة أهل الشام من محمود بن الربيع ونافع بن محمود كلاهما عن عبادة بن الصامت»، وقال أيضًا: «والحديث عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة وعن مكحول عن نافع بن محمود عن عبادة، فكأنه سمعه منهما جميعًا»، وقال: «ولا يجوز تعليل رواية محمد بن إسحاق بن يسار برواية زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود عن عبادة بن الصامت، فالحديث محفوظ عن الأب والابن جميعًا» (ثقات ابن حبان: 5/ 470، جزء القراءة للبيهقي، ص65، 66، 69،216، سنن البيهقي: 2/ 165).
ويمكن أن يجاب عن ذلك:
بأن الحكم بأن مكحولاً روى الوجهين يستلزم وجود قرينة (زيادة الحفظ)، ولها دلائل تدل عليها، قال ابن حجر في كلامه على حديث: «الزهري صاحب حديث، فيكون الحديث عنده عن شيخين، ولا يلزم من ذلك اطراده في كل من اختلف عليه في شيخه، إلا أن يكون مثل الزهري في كثرة الحديث والشيوخ» (فتح الباري: 13/ 15).
وقرينة زيادة الحفظ منتفية في رواية مكحول هذه من وجوه يعضد بعضها بعضًا:
الوجه الأول: أن مكحولاً لم يذكر بسعة الرواية وكثرة الحديث والشيوخ، وهو وإن كان ثقة، إلا أنه لم يذكر أنه في سعة رواية الزهري أو قتادة ونحوهما وكثرة حديثهما وشيوخهما، وإنما ذكر أنه إمام أهل الشام في الفقه والفتيا، وأنه أفقه من الزهري وغيره، والفقه لا يستلزم سعة الرواية وزيادة الحفظ والتثبت، قال معمر: قلت للزهري: أقتادة أعلم عندك أو مكحول؟ قال: «لا بل قتادة، وما كان عند مكحول إلا شيء يسير» (تهذيب الكمال: 23/ 511).
الوجه الثاني: أنه خولف في هذا الحديث مخالفتين قويتين:
إحداهما: مخالفة الزهري، إذ روى الحديث عن محمود بن الربيع عن عبادة مرفوعًا بقوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، ولم يذكر شيئًا سوى ذلك، ولم يذكر النص الصريح في قراءة الفاتحة ولو خلف الإمام.
ثانيهما: مخالفة رجاء بن حيوة، إذ رواه عن محمود بن الربيع عن عبادة موقوفًا عليه بتلك القصة، وفيه قراءة الفاتحة ولو خلف الإمام من قول عبادة، لا مرفوعًا.
الوجه الثالث: أن الحديث روي عنه على أربعة أوجه متقاربة في القوة!
ولو كان الحديث روي عنه على الوجهين فحسب لكان الأمر أسهل، إلا أن:
- الوليد بن مسلم - وهو من أحفظ أهل الشام - رواه عن مكحول على وجه،
- وزيد بن واقد - وهو من كبار أصحاب مكحول - رواه عنه على وجه،
¥