ولعل هذا فيما أذا تلقته بالقبول، ولكن يحصل على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي. وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في ((كتاب الملخص)) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول. قال: وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا؟ على قولين:

قال: وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأنكروا على من عدل عنه فهل

يدل على صحته وقيام الحجة به؟

ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحاً بذلك. وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يدل على صحته، انتهى.

فقول الشيخ محي الدين النووي: ((خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون)). غير متجه. بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح فقال: ((هذا ممنوع فقد نقل المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول)).قلت: وكأنه عني بهذا تقي الدين ابن تيمية فإني رأيت فيما حكاه عنه بعض ثقات أصحابه ما ملخصه: الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية.

والشيخ أبي حامد الاسفرائيني والقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية. وأبي عبد الله ابن حامد والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبو منصور التميمي وابن السمعاني وأبي هاشم الجبائي وأبي عبد الله البصري قال: وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث ـ فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وابن عقيل وغيرهم، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العل مطلقاً وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده. والأمة إذا عملت بموجبه فلوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن، لأن هذا جزم بلا علم.

والجواب: إن إجماع الأمور معصوم عن الخطأ في الباطن .. وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا الواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ ومع انضمامه إلى أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق. (انتهى كلامه)

وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده ـ الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فإنه قال: ((أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها)).

كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ. وقد احترز ابن الصلاح عنه. وأما قول الشيخ محي

الدين: ((لا يفيد العلم إلا إن تواتر)) فمنقوض بأشياء:

1 - أحدها: الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي، والسيف الآمدي وابن الحاجب ومن تبعهم.

2 - ثانيها: الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن. وممن ذهب إلى هذا الإسناد أبو إسحاق الاسفرائيني والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك.

وقال الأيباري ـ شارح البرهان ـ بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة: ((بأن العرف وإطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعاً بل فصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد)). أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك ومال إليه الغزالي. وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك فقال: المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك.

3 - ثالثها: ما قدمنا نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول. ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق.

ثم بعد تقرير ذلك كله جميعاً لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العمل الضروري الذي لا يقبل التشكيك وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك. ولهذا تختلف إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين ـ والله أعلم. وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح ((والعلم اليقيني النظري حاصل به)) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام.

أما اليقيني فمنعناه القطعي، فلذلك أنكر عليه من أنكر، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع الترجيح في مفهوماته. ونحن نجد علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعاً به (ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى) لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم، فالصواب الاقتصار في هذه المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه ـ والله أعلم))

قلت هذا كلام الحافظ وقد بين فيه أن جمهور الأشاعرة على مذهبه في المسألة

وقد تعقب كلام النووي الذي احتج به السقاف

والنووي قد أخطأ في نقل مذاهب العلماء وتعقبه الحافظ

والسقاف قد وقف على التعقب ومع ذلك أصر على إقرار كلام النووي في نقل مذاهب العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015