: " المغيرات خلق الله " هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم و النمص و الفلج , و كذا
الوصل على إحدى الروايات ". و قال العيني في " عمدة القارىء " (22/ 63): "
قوله: " المغيرات خلق الله تعالى " كالتعليل لوجوب اللعن ". فإذا عرفت ما سبق
يتبين لك سقوط قول الشيخ الغماري في رسالته " تنوير البصيرة ببيان علامات
الكبيرة " (ص 30): " قلت: تغيير خلق الله يكون فيما يبقى أثره كالوشم و
الفلج , أو يزول ببطء كالتنميص , أما حلق اللحية فلا يكون تغييرا لخلق الله لأن
الشعر يبدو ثاني يوم من حلقه .. ". أقول: فهذا كلام باطل من وجوه: الأول:
أنه مجرد دعوى لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو أثر , و قديما قالوا: و
الدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء. الثاني: أنه خلاف ما يدل
عليه زيادة " الواصلات " , فإن الوصل , ليس كالوشم و غيره مما لا يزول , أو
يزول ببطء و لاسيما إذا كان من النوع الذي يعرف اليوم بـ (الباروكة) فإنه
يمكن إزالتها بسرعة كالقلنسوة. الثالث: أن ابن مسعود رضي الله عنه أنكر حلق
الجبين و احتج بالحديث كما تقدم في رواية الهيثم , فدل على أنه لا فرق بين
الحلق و النتف من حيث أن كلا منهما تغيير لخلق الله. و فيه دليل أيضا على أن
النتف ليس خاصا بالحاجب كما زعم بعضهم. فتأمل. الرابع: أنه مخالف لما فهمه
العلماء المتقدمون , و قد مر بك قول الحافظ الصريح في إلحاق الوصل بالوشم و
غيره. و أصرح من ذلك و أفيد , ما نقله (10/ 377) عن الإمام الطبري قال: "
لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص
التماس الحسن , لا للزوج و لا لغيره , لمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما
بينهما توهم البلج , أو عكسه , و من تكون لها سن زائدة فتقلعها , أو طويلة
فتقطع منها , أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف , و من يكون شعرها قصيرا
أو حقيرا فتطوله , أو تغزره بشعر غيرها , فكل ذلك داخل في النهي , و هو من
تغيير خلق الله تعالى. قال: و يستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر و الأذية كمن
يكون لها سن زائدة , أو طويلة تعيقها في الأكل .. " إلخ. قلت: فتأمل قول
الإمام: " أو عكسه " , و " أو لحية .. " , و قوله: " فكل ذلك داخل في النهي ,
و هو من تغيير خلق الله ". فإنك ستتأكد من بطلان قول الغماري المذكور , و الله
تعالى هو الهادي. هذا و في رؤية ابن مسعود جبين العجوز يبرق دليل على أن " وجه
المرأة ليس بعورة " , و الآثار في ذلك كثيرة قولا و فعلا , و قد سقت بعضها في "
جلباب المرأة المسلمة ". و أما ما زعمه البعض بأنه لا دليل في هذه الرواية على
ذلك , لأن العجوز من القواعد! فهو مما لا دليل عليه , فلا يلزم من كونها عجوزا
أن تكون قاعدة كما لا يخفى , و إنما ذكرنا ذلك استشهادا , و فيما ذكر هناك من
الأدلة كفاية.