ولو شئتُ أن استقصى مفاريد ابن أبى ذئبٍ وغرائبه، مما صححه الأئمة، لطال المقام.
وأما قول أبى عيسى الترمذى تعقيباً على الحديث: ((وَفِي الْبَاب عَنْ: ابْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ، وَجَعْدَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ))، فإنَّ له تعلقاً وثيقاً بما بوَّب به على الحديث، أعنى قوله: بَابُ مَا جَاءَ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا. فقد جاءت هذه الأحاديث متضمنة هذا المعنى، وإن تباينت ألفاظها، ولم يطابق ظاهرُها الحديث الآنف الذكر. وأكثر هذه الأحاديث مطابقة لهذا التبويب لفظاً ومعنىً، وثانيها وثالثها لم يذكره الترمذى فى أحاديث الباب:
[الحديث الثانى]
حديث أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال الإمام أحمد (5/ 362): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ ثنا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟، فَقَالُوا: لا، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا)).
وأخرجه كذلك أبو داود (4351)، والقضاعى ((مسند الشهاب)) (878)، والبيهقى ((الكبرى)) (10/ 249) جمبعاً من طريق ابن نمير عن الأعمش به نحوه، إلا أنه وقع فى رواية أبى داود بلفظ ((حَبْلٍ)) بالحاء المهملة؛ واحد الحبال، ولعله تصحيف.
وتابعه أبو معاوية الضرير عن الأعمش.
أخرجه هناد ((الزهد)) (1345) قال: حدثنا أبو معاوية عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عن أشياخه قالوا: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا)).
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات كلهم، إلا ما يخشى من تدليس الأعمش، ولا تضره جهالة الصحابة أشياخ ابن أبى ليلى، فكلهم ثقات رضى الله عنهم أجمعين.
وعبد الرحمن بن أبى ليلى ثقة حجة تابعى كبير، روى عن جمع من الصحابة: عمر، وعثمان، وعلى، وأبي بن كعب، وأسيد بن حضير، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وبلال بن رباح، وثابت بن قيس، وحذيفة بن اليمان، وخوات بن جبير الأنصاري، وزيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وسمرة بن جندب، وسهل بن حنيف، وصهيب بن سنان، وعبد الله بن عكيم، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وعبد الرحمن بن سمرة، وعمرو بن أم مكتوم، وقيس بن سعد بن عبادة، وكعب بن عجرة، ومعاذ بن جبل، والمقداد بن الأسود، وأبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي الدرداء، وأبي ذر الغفاري، وأبي سعيد الخدري، وأبيه أبي ليلى الأنصاري، وأبي موسى الأشعري، وأم هانئ بنت أبي طالب. وقال عبد الملك بن عمير: لقد رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يستمعون لحديثه، وينصتون له، فيهم البراء بن عازب.
[إيقاظ] هذا الحديث مخرَّج فى ((مشكل الآثار)) (2/ 168) لأبى جعفر الطحاوى بهذا الإسناد:
حدثنا سليمان بن شعيب الكيسانى ثنا خالد بن عبد الرحمن الخراسانى ثنا فطر بن خليفة عن عبد الرحمن بن يسار الجهنى عن أبى ليلى الأنصارى قال: خرج رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بعض غزاته، فأخذ بعض أصحابه كنانة رجلٍ ..... الحديث بنحوه.
وقد يقال ((عبد الرحمن بن يسار الجهنى)) هو ابن أبى ليلى، فإن اسم أبيه يسار، وروايته وسماعه من أبيه مجزوم بصحتهما، ولكن يمنع منه أمران:
(الأول) أنه ليس بجهنى، بل أنصارى مدنى.
¥