قلت: والحديث محفوظ برواية جماعة من الرفعاء الكبراء كما بيناه من حديث الأبناء عن الآباء عن الأجداد، والخطأ هاهنا من الطيالسى والحنفى؛ إذ أسقطا من الإسناد ((أبيه))، والمحفوظ ((عَبْدُ اللهِ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ)).
وقَالَ أَبو عِيسَى: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ. وَالسَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَهُ صُحْبَةٌ، قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ، وَهُوَ غُلامٌ، وَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. وَوَالِدُهُ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ لَهُ أَحَادِيثُ , وهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).
وقال: ((وَفِي الْبَاب عَنْ: ابْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ، وَجَعْدَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ)).
وقال أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يُسئل: عن حديث ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده ((لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ))، تعرفه من غيرحديث ابن أبي ذئب؟، فقال: لا، وهو ـ يعنى يزيد بن السائب ـ ابن أخت نمر، ولا أعرف له غيره)).
قلت: ورجال أسانيد هذا الحديث موثقون كلهم، وإسناد الترمذى متصل صحبح، رجاله كلهم ثقات، بندار فما فوقه. فأما السائب بن يزيد، وأبوه فصحابيان لهما سماع ورواية. وعبد الله بن السائب بن يزيد، وإن تفرد عنه ابن أبى ذئبٍ، فقد وثق. وثقه ابن سعد والنسائى، وزاد ابن سعد: قليل الحديث. وذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (5/ 32). وأطلق الحافظ الذهبى القول بتوثيقه فى ((الكاشف)) (1/ 556) فقال: ((ثقة توفى سنة 126)).
فإن قيل: فالحديث قد تفرد به ابن أبى ذئب، ولا متابع له!.
قلنا: ليس من شروط صحة الحديث أن يُتابع الراوي الثقة، وهذه أفراد الثقات أمثال: الزهرى والأعمش وشعبة، ومن دونهم فى نباهة القدر وشيوع الذكر، مزبورة فى ((الصحاح))، ومحتج بها، ولم نسمع من أحد قوله: كيف أودعها البخارى فى ((الصحيح))، وقد تفرد بها فلان أو فلان من هؤلاء الثقات!.
وأعدل شاهدٍ على ما قررناه: حديث يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِي أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) الحديث. فهذا مما تفرد علقمة بن وقاص عن عمر به، وتفرد محمد بن إبراهيم به عنه، وتفرد يحيى بن سعيد الأنصارى به عنه.
ومن أعجب شواهده: ما أخرجه البخارى فى ((كتاب الأذان) قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
فهذا مما تفرد ابن المنكدر عن جابر به، وتفرد شعيب بن أبى حمزة الحمصى به عنه، وتفرد على بن عياش الألهانى به عنه.
وابن أبى ذئب بهذه السبيل، فهو ثقة ثبت حجة فى روايته عن أهل المدينة إلا فى حديثه عن الزهرى خاصة، وسبيل الاحتجاج بمفاريده وغرائبه بنحو سابقيه. ومما احتج به البخارى من مفاريده وغرائبه: ما أخرجه فى ((كتاب البيوع)) (2059) قال: حدثنا آدم ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثنا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ)).
¥