وكذا صنيع الحافظ ابن حجر في كتبه، فإنه يقوي المراسيل ببعضها دون حصر ذلك في كبار التابعين، يعرف ذلك من نظر في «التلخيص الحبير» و «الفتح» و «نتائج الأفكار» وغيرها، ومن تتبع ذلك ظفر بأمثلة كثيرة، وانظر مثالاً لذلك في نتائج الأفكار (2/ 152) المجلس (151) وقد أطلق شيخ الإسلام ابن تيمية – يرحمه الله – كما في «مجموع الفتاوى» (13/ 347) قبول المراسيل إذا تعددت طرقها، فقال: والمراسيل إذا تعددت طرقها، وخلت عن المواطأة قصداً، أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعاً ..... ، اهـ وكلامه هذا قد يحتمل التأويل، والله أعلم.

وفي العلل للرازي (1/ 100/270) اعتمد أبو زرعة مرسل سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن وعمر مولى غُفْرة عمن حدثه، كلهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكروا بلالاً في الحديث، بخلاف من جعله عماراً، فسئل أبو زرعة: فما الصحيح عندك بلال أو عمار؟.

فقال أبو زرعة: رواه المدنيون على أنَّه بلال، وهم أعلم، وإن (كانت روايتهم مرسلة) فلولا أنهم سمعوه من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم، ما كانوا يقولونه، اهـ.

مع أنَّه قد يقال: لو سمعوه من الصحابة؛ لصرحوا بأسمائهم، فلما لم يصرحوا دلَّ ذلك على أن من حدثهم من التابعين، ومع هذا الاحتمال، وكون أبي سلمة تابعياً متوسطاً، وعمر مولى غفرة – على ضعفه – من الصغار، فهو من الخامسة، ومع ذلك اعتمد مرسلهم هذا، وإن كان كلام أبي زرعة قد يتطرق إليه تأويل وبحث.

وقد أطلق ابن الصلاح الاعتضاد بالمرسل، ولم يفصل بين كبار التابعين وصغارهم، وتبعه في الإطلاق النووي في عامة كتبه، قاله السخاوي في «فتح المغيث» (1/ 169) وبين أن النووي تنبه لتقييد الشافعي في شرحه «للوسيط»، وهو من أواخر تصنيفه.

وفي الحاشية (5) اعتراض على السخاوي في دعواه: أن النووي تنبه لذلك القيد في شرحه «للوسيط» فقط، وذكر صاحب الحاشية أن السخاوي تبع فيه العراقي، وإلا فقد نبه النووي على هذا القيد في المجموع (1/ 103 - 104)، و «تهذيب الأسماء» 1/ 1/221).

وانظر المصادر المشار إليها في نهاية السؤال (223) لعله يصفو منها شيء، وعلى كل حال: فالظاهر أن المرسل يتقوى بمثله وبغيره من المعضدات السابقة، وإن رواه صغار التابعين، ما لم تظهر نكارة في الحديث سنداً أو متناً، وما لم يظهر أن الحديث يدور على ضعيف أو من لا يحتج به، أقول هذا وفاقاً لصنيع العلماء والحفاظ المتأخرين، مع علمي بالاحتمالات التي ذكرها الشافعي – يرحمه الله – لأنها احتمالات نادرة، ومعلوم أن كثيراً من الأحكام في هذا العلم مبناها على غلبة الظن، ولو أن كل احتمال عملنا بموجبه، لتعطل علينا كثير من الأحكام، والله المستعان؟.

(تنبيه):

سيأتي – إن شاء الله تعالى – في الكلام على الاستشهاد بالمنقطع في السؤال الآتي (225) أن جماعة من أهل العلم يقوون المنقطع إذا شهد له أحد المعضدات السابقة، فإذا كان هذا حالهم في المنقطع، فما ظنك بمرسل من دون كبار التابعين؟.

(تنبيه آخر):

الظاهر صحة الاستشهاد بمرسل في سنده إلى التابعي ضعيف خفيف، كوهم راوٍ أو عنعنة مدلس، بل استشهد شيخنا الألباني – حفظه الله – بما هو دون ذلك، انظر «الصحيحة» (2/ 228 - 635)، (4/ 55/1540)، والله أعلم.

للشيخ أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015