أنَّه وصفه بقوله: ولا نعلم محدثاً يسمى أفضل ولا أشهر ممن يحدث عنه ابن شهاب، اهـ من الرسالة (ص:469) ومع ذلك فقد قال: وإرسال الزهري عندنا ليس بشيء، وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم، اهـ من «جامع التحصيل» (ص:43) فلو كان الشافعي – يرحمه الله – يريد أن يكون مشايخ المرسِل في الغالب ثقات – لا جميعهم – لقبل مرسل الزهري، فإذا كان الشافعي يريد ثقة جميع رجال المرسِل بينه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الشرط وحده كافٍ في الاحتجاج بالمرسل بدون شواهد. ومما يدل على أن الراوي إذا كان شيوخه ثقات؛ فلا يضر إرساله، ما ذكروا في إرسال النخعي عن ابن مسعود، وكذا راوية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود، وكذلك ما قاله العلائي في «جامع التحصيل (ص:168) في رواية حميد عن أنس التي ثبته فيها ثابت.
وكذلك فقد ذكر ابن القيم هذا الشرط لمن يُعْتدّ بمرسله، فقال في «زاد المعاد» (1/ 379) في فصل في تعظيم يوم الجمعة وتشريفه:
وحديث أبي قتادة هذا، قال أبوداود: هو مرسل، لأنَّ أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة، والمرسل إذا اتصل به عمل، وعضده قياس، أو قول صحابي، أو كان مرسلُه معروفاً باختيار الشيوخ، ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكي، ونحن ذلك مما يقتضي قوته، عُمِل به، اهـ. والله أعلم.
(ب) اشتراط الشافعي أن يكون المرسِل إذا، شرك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه «ووُجد) حديثه أنقص؛ قال: كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، اهـ.
فهذا الشرط هو شرط الثقات عموماً، فلا يحكم على على راوٍ بأنه ثقة إلا إذا كان ممن يوافق الثقات، وغلب ذلك على حديثه، وإذا خالفهم بالنقص فهو دليل على تحريه، بخلاف ما إذا خالفهم بالزيادة، ولا خصوصية للمرسِل بهذا الشرط.
وقد قال العلائي – يرحمه الله – كما في (ص:44):
وهذا المعنى لا ينفرد به قبول المرسل، بل هذا الاعتبار جارٍ في كل راوٍ، سواء روى مرسلاً أو مسنداً، بخلاف الأمور المتقدمة، فإنَّها معتبرة في المرسل تقويةً له حتى يفيد الظن، إذا انضم إليه شيء مما تقدم، وإنما ذكر الشافعي هذا الشرط هنا، وهو جارٍ في كل راوٍ، كما صرح به في موضع آخر في الراوي مطلقاً، بقوله: إذا شرك أهل الحفظ في حديثهم وافقهم، لئلا يُظن أن الأمور المتقدمة وحدها كافية في قبول المرسل، إذا انضم بعضها إليه، فبيّن الشافعي – يرحمه الله – أنَّه لا بد مع ذلك من هذا الشرط في الراوي له، كما هو شرْط في راوي المسند، اهـ.
فتحصل من ذلك أن الشافعي – يرحمه الله – أراد أن يقول: أن يكون التابعي المرسِل ثقةً.
وإذا كان ذلك كذلك، فهو داخل في شرط كبار التابعين، وفي شرط من لا يروى إلا عن ثقة، لأنه إذا كان كذلك فكيف يكون ضعيفاً؟ فما فائدة التنصيص إذاً على هذا الشرط؟.
وإن كان المقصود أنَّه يُستدل بكثرة موافقته، وكون مخالفته بالنقص؛ على صحة حديثه لذاته، كما يشير إلى ذلك قوله: «كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه» إذا كان هذا هو المراد من كلام الشافعي يرحمه الله، فيرد عليه ما ورد في المسألة (أ) وهو أن المقام مقام تقوية المرسَل بالشواهد، لا مقام الاحتجاج به.
(ج) وقول الشافعي – يرحمه الله -: ويعتبر عليه بأن يُنظر: هل يوافقه مُرسِلٌ غيرُه ممن قُبِل العلم عنه من رجاله الذين قُبل عنهم اهـ من «الرسالة» ص (462) هذا القول مما يُشكل فهمه وتطبيقه عملياً:
فظاهر كلام الشافعي يرحمه الله أنَّه يشترط أن يكون كل من التابعيَّين له شيوخ غير شيوخ الآخر، وهذا الذي صرح به جماعة من العلماء الذين شرحوا كلام الشافَعي يرحمه الله.
ووجه الإشكال هنا من جهات:
الأولى: هل يتصور تابعي – وكبير على قول الشافعي يرحمه الله – لم يشارك نظيره في أي شيخ من شيوخه؟ هذا ما استبعده جداً، فإن المعلوم من حال الطلاب الجادين في الطلب، لا سيما كبار التابعين، أنهم يتتبعون ثقات المشايخ حيثما كانوا، فلا بد من اجتماع الطالبين ولو في شيخ واحد، وإن اتفقا – ولو في شيخ واحد – انخرم ما قال الشعي يرحمه الله -.
¥