قال الشافعي: فلما أمكن في ابن شهاب أن يكون يروي عن سليمان – مع ما وصفتُ به ابن شهاب – لم يُؤْمَن مثل هذا على غيره ... اهـ، من «الرسالة» (ص:461 - 470) من رقم: (1262 - 1305).
قال ابن رجب – يرحمه الله تعالى – بعد ذكره لكلام الشافعي – يرحمه الله -:
وهو كلام حسن جداً، ومضمونه أنَّ الحديث المرسل يكون صحيحاً، ويُقبل بشروط، منها: في نفس المرسِل:
وهي ثلاثة:
أحدها: أن لا يُعرف له رواية عن غير مقبول الرواية، من مجهول، أو مجروح.
ثانيها: أن لا يكون ممن يخالف الحفاظ إذا أسند الحديث فيما أسندوه، فإن كان مِمّن يخالف الحفاظ عند الإسناد لم يُقبل مرسله.
ثالثها: أن يكون من كبار التابعين، فإنَّهم لا يروون غالباً إلا عن صحابي، أو تابعي كبير، وأمّا غيرهم من صغار التابعين ومن بعدهم؛ فيتوسعون في الرواية عمّن لا تقبل روايته، - وأيضاً – فكبار التابعين كانت الأحاديث في وقتهم الغالب عليها الصحة، وأما من بعدهم فانتشرت في أيامهم الأحاديث المستحيلة، وهي الباطلة الموضوعة، وكثر الكذب – حينئذ.
قال: فهذه شرائط من يُقبل مرسَلُه.
وأمّا الخبر الذي يرسله: فيشترط لصحة مخرجه وقبوله أن يعضده ما يدل على صحته، وأن له أصلاً.
والعاضد له أشياء:
أحدها: - وهو أقواها – أن يسنده الحفاظ المأمونون من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ بمعنى ذلك المرسَل، فيكون دليلاً على صحة المرسَل، وأن الذي أرسل عنه كان ثقة.
والثاني: أن يوجد مرسَل آخر موافق له عن عالم يروي عن غير من يروي عنه المرسِل الأول، فيكون ذلك دليلاً على تعدد مخرجه، وأنَّ له أصلاً؛ بخلاف ما إذا كان المرسِل الثاني لا يروى إلا عمّن يروي عنه الأوّل، فإن الظاهر أنَّ مخرجهما واحد، لا تعدد فيه، وهذا الثاني أضعف من الأول.
والثالث: أن لا يوجد شيء مرفوع يوافقه لا مسند ولا مرسَل، لكن يوجد ما يوافقه من كلام بعض الصحابة، فيُستدل به على أن للمرسَل أصلاً صحيحاً أيضاً، لأن الظاهر أ، الصحابي إنما أخذ قوله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والرابع: أن لا يوجد للمرسَل ما يوافقه، لا مسند ولا مرسل، ولا قول صحابي، لكنه يوجد عامة أهل العلم على القول به، فإنه يدل على أن له أصلاً، وأنهم مستندون في قولهم إلى ذلك الأصل (قال ابن رجب – يرحمه الله -: فإذا وجدت هذه الشرائط، دلت على صحة المرسل، وأن له أصلاً، وقُبِلَ واحتُجَّ به، ومع هذا فهو دون المتصل في الحجة ... ثم ذكر ما ذكره الشافعي – يرحمه الله – من احتمالات ضعف هذه الشواهد، ثم قال: لكن هذا في حق كبار التابعين بعيد جداً، اهـ. من «شرح علل الترمذي» (1/ 545 - 550).
فقد ذكر ابن رجب – يرحمه الله – كلام الشافعي مستحسناً له جداً، وكذا ذكره غير واحد. ولم يتعرضوا لمناقشة بعض المواضع من كلامه – يرحمه الله -، وقد تكلم في كثير من هذه المواضع الحافظ العلائي – يرحمه الله -، في «جامع التحصيل»، أو سأضمن كلامه في موضعه من مناقشتي لكلام الشافعي – رحمة الله عليه، - إن شاء الله تعالى -.
فأقول:
قد بيَّن الإمام الشافعي – يرحمه الله – المواضع التي يُقبل فيها المرسَل – على ما في المرسَل من عدم العلم بحال من سقط من السند – وذكر يرحمه الله شروط ذلك، وفيما ذكره مواضع تستحق البحث، فمن ذلك:
(أ) اشتراطه في المرسِل أن يكون إذا سمى من روى عنه، لم يسم مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه، فهذا الشرط لو تأكدنا من تحققه؛ لقبلنا المرسَل ممن هذا وصفه دون توقف لشاهد، والمقام مقام اعتبار المرسَل إذا كان له شاهد، لا أنه يحتج بالمرسَل بمفرده.
وقد لاحظ هذا المعنى العلائي – يرحمه الله -، فقال في «جامع التحصيل» (ص:42 - 43) بعد ذكره شرط الشافعي – يرحمه الله -: وقد قال أبو عمر بن عبدالبر وأبو الوليد الباجي: لا خلاف أنَّه لا يجوز العمل بالمرسل، إذا كان مرسِلُه غير متحرز يرسل عن غير الثقات. قال العلائي: وهذا الشرط وحده كاف في اعتبار المرسَل وقبوله، كما تقدم في احتجاج الشافعي بمراسيل سعيد بن المسيب. يعني أن الشافعي عرف ثقة الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهـ ومما يؤكد أن الشافعي – يرحمه الله – أراد ثقة الرجال بين المرسِل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنَّه لم يقبل مرسل الزهري لمجرد أنَّه روى عن سليمان بن أرقم في حديث واحد، مع
¥