وأما قول إسحاق بن إبراهيم أنه سأل أبا عبد الله –أحمد بن حنبل- عن الرجل يسمع الحديث وهو إسناد واحد فيجعله ثلاثة أحاديث قال لا يلزمه كذب وينبغي أن يحدث بالحديث كما سمع ولا يغيره ([36]).
أن كلام الإمام أحمد إنما هو عند أداء الحديث من قبل الراوي، وأما تقطيع الحديث بقصد الاستدلال فالأمر أوسع.
والواقع التطبيقي في مصنفات الحديث، خصوصاً تلك التي اعتنت بالأبواب، كثرة وقوع ذلك فيها، والإمام البخاري من أكثر استعمالاً لذلك في صحيحه، والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: إحالة الرواية على سياق مذكور.
والمقصود: إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه "مثله" أو "نحوه" فهل للراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول.
في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع. وهو قول شعبة فقد روي عنه أنه قال فلان عن فلان مثله لا يجزئ وروي عنه أنه قال قول الراوي نحوه شك.
القول الثاني: جواز ذلك إذا عرف أن الراوي لذلك ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف منه ذلك لم يجز، وهو قول سفيان الثوري.
القول الثالث: جواز ذلك في قوله مثله وعدم جواز ذلك في قوله نحوه وهو قول يحيى ابن معين حيث يقول: ((قول إذا كان حديث عن رجل وحديث آخر عن رجل مثله فلا بأس أن يرويه إذا كان مثله إلا أن يقول نحوه)).
قال الخطيب: ((وهذا القول على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى فأما على مذهب من أجازها فلا فرق بين مثله، ونحوه، والله اعلم)) ([37]).
قال ابن الصلاح: ((هذا له تعلق بما رويناه عن مسعود بن علي السجزي: أنه سمع الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: "إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول: "مثله" أو يقول: "نحوه" فلا يحل له أن يقول: "مثله" إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل أن يقول: "نحوه" إذا كان على مثل معانيه"، والله أعلم)) ([38]).
وهناك مسائل منها:
مسألة: إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتهما تفاوت في اللفظ والمعنى واحد.
مسألة: إذا وقع في روايته لحن أو تحريف.
وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين
كتبه غسان أبو الحارث البغدادي
[1]- الخطيب البغدادي، الكفاية ص206، وابن رجب، شرح علل الترمذي (2/ 429)، وطاهر الجزائري، توجيه النظر (2/ 683)، والجديع، تحرير علوم الحديث (1/ 180).
[2]- نقله الخطيب في الكفاية ص207، تحت باب ذكر الحكاية عمن قال يجب أداء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على لفظه، ويجوز رواية غيره على المعنى.
[3]- ابن رجب، شرح علل الترمذي (2/ 429).
[4]- أخرجه الترمذي (2657)، وابن حبان في صحيحه (66)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله.
[5]- أخرجه البخاري (247)، ومسلم (2710).
[6]- المحدث الفاصل ص532.
[7]- قواعد التحديث ص225.
[8]- ينظر: الخطيب البغدادي، الكفاية ص203 - 211، وابن رجب، شرح علل الترمذي (1/ 328 - 429)، والقاسمي، قواعد التحديث ص221 - 223.
[9]- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (7/ 100)، وأبو نعيم في معجم الصحابة (9/ 311).
[10]- ينظر: الخطيب البغدادي، الكفاية ص100.
[11]- ابن رجب، شرح علل الترمذي (1/ 429).
[12]- استدل به: الغزالي، المستصفى ص134، والرازي، المحصول في علم الأصول (4/ 669).
[13]- الالماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص157.
[14]- أستدل به: الرازي، المحصول في علم الأصول (4/ 668)، والغزالي، المستصفى ص133.
[15]- توجيه النظر (3/ 693 - 694).
[16]- كتاب المجروحين (1/ 93).
[17]- شرح علل الترمذي (1/ 431).
[18]- الخطيب، الكفاية ص210.
[19]- ابن رجب، شرح علل الترمذي (425 - 427).
[20]- ابن رجب، فتح الباري (4/ 149).
[21]- الإحكام في أصول الأحكام (2/ 213).
[22]- نفس المصدر (1/ 130).
[23]- مقدمة ابن الصلاح ص20.
[24]- المعلمي اليماني، عمارة القبور ص157.
[25]- الباعث الحثيث ص101.
[26]- شرح علل الترمذي (1/ 427) بتصرف.
[27]- أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 311).
¥