ـ[أبو عكرمة]ــــــــ[31 - 12 - 09, 08:54 ص]ـ
(2)
ثانياً: التعليق على هذه (الترجمة!):
لقد نشطت الإباضية المعاصرة لإيجاد منظومة معرفية مستقلَّة عن أهل السنَّة والجماعة، وربما يأتي على رأسها في الأهمية (عندهم) مسند الربيع الذي يعتبرونه مهيمناً على الصحيحين وغيرهما!
ومن ذلك تأليف الموسوعات والتواريخ، مع الاستعانة بالمؤرخين من مصر والعالم العربي للإسهام في هذا الأمر، وتأليف الكتيب وتحقيق المخطوطات وإلقاء المحاضرات! وتصبح كل جملة يكتبها هؤلاء - ولو على سبيل المجاملة - جزءاً من التاريخ الإباضي، يُحال عليها ويُستشهد بها!
ومن جهة الكيف: يصوِّرون أنفسهم وعلمائهم بأنهم الأتقى والأفضل والأسبق والأدق والأعلم والأحكم ... إلخ!
وأن لديهم العقيدة الصحيحة، والتفسير الصحيح، والحديث الصحيح، والتاريخ الصحيح! وأما علوم أهل السنَّة والجماعة فهي (سلطانية!).
وإذا وُجد نقص ما فسببه أحد أمور:
• إما أن الإباضية لا تلتفت إلى الشكليات، كالأسانيد والترجمة للرجال مثلا!
• وإما بالقول بأن الإباضية (غير!) فلا تنطبق عليهم أصول غيرهم!
• وإما بتعليق الأمر على أن الاضطهاد وحرق المكتبات وظلم الناس للأباضية!
وقد رأينا في المشاركات أعلاه أطرافاً من ذلك!
فإذا نظر الناقد فيما يطرحونه لم يجد إلا السراب والكلام الإنشائي!
ولننظر في ترجمتهم لأبي غانم!
إنَّ المؤرخ الذي يقرأ الكلام أعلاه يدرك مدى الانقطاع المعرفي الذي تعاني منه الإباضية المعاصرة في باب التاريخ والرواية والأسانيد!
فهذا الفقيه العظيم (عندهم)، لا يعرفون مولده ولا إقليمه ولا طبقته ولا سنة وفاته!
حتى اضطرَّت "موسوعة العالم الإسلامي" إلى سؤال سفارة عُمان بالأردن عن سنة وفاته!
فهل قالوا: الرجل كالمجهول عندنا، لا نعرف عنه إلا ما يوجد في كتابه؟!
كلاَّ! لقد اصطنعوا له (ترجمة شكلية!) لملء الفراغ:
• لقبه (الخراساني) فهو إذن مولود في خراسان!
• يروي في المدوَّنة عن بعض البصريين، فهو إذن قد رحل إلى البصرة!
• بالإضافة إلى حكاية عمروس!
وطبعاً يستطيع أي كاتب أو صحفي أن ينشئ شيئاً يشبه الترجمة بناء على ذلك، فيقول: وُلد أبو غانم في خراسان ونشأ فيها وتعلم في كتاتيبها ودرس على أشياخ الأباضية هناك، ثم رحل إلى البصرة ... إلخ!
والقوم لا يعرفون أحداً من تلامذة هذا الفقيه العظيم، فهل يعترفون بذلك؟!
كلاَّ! فقد ورد اسمان في حكاية عمروس: عمروس وأفلح! فهما إذن (من أشهر تلامذته)!
المهمّ أن توجد فقرة في الترجمة لتلاميذ الرجل، وأرقام حواشي، وإحلات على مصادر!
والذي في الحكاية - على فرض صحَّتها - هو إيداعه لنسخة المدوَّنة عند عمروس (واستنساخ عمروس أو سرقته لها بغير إذنه)، وإهداؤه النسخة الأخرى إلى الأمير! وليس في الحكاية أنهما من تلاميذه ولا من أشهرهم!
وقد كان الغرض من رحلته إلى تاهرت - إن صحَّت أيضاً - هو لقاء الأمير الإباضي وإهداء نسخة من المدوَّنة إليه لأجل الجائزة، بدليل عودته إلى عمروس وسخطه لاستنساخ الكتاب، بدلاً من أن يبذله للناس ويقرأه في الجامع! وما غرضي التعريض بالرجل رحمه الله، ولكنَّ الإباضية لا يتورَّعون عن نعت علمائنا بأنهم (علماء السلطة أو عملائها!).
والحكاية واردة في مصنَّفات المتأخرين من الإباضية، وفيها إشكالات تاريخية واضحة، لأن الرحلة حدثت في إمارة عبدالوهاب الرستمي (أي بين عامي 170 - 190)، وكان عمروس قد بلغ شأناً في إقليمه بحيث ينزل عليه أبو غانم ويودع عنده الكتاب، ولكنَّ عمروساً مات قتيلاً في ساحة الوغى بعد ذلك بمائة عام! وظاهر الحال أنه وُلد بعد موت عبدالوهاب بسنوات كثيرة! فاعتمدوا تخريجاً يحتاج إلى تخريج! وهو أن عبدالوهاب مات سنة 208، فوفد عليه أبو غانم في تلك السنة، ثم عاش عمروس وأخته ضعف الأعمار المعتادة، بتمام الصحة والعافية، ليقاتلا ويموتا في المعركة سنة 283! على الرغم من مزاعم القتل والاضطهاد والمطاردة والعيش في السراديب!
حتى قول الشماخي «حاز قصب السبق وإن كان في السنّ متأخرا» فسَّروه بأنه (عُمِّر زمنا طويلا)، من أجل تصحيح الحكاية، مع أن الكلام لا علاقة له بطول العمر! والغرض طبعاً هو تصحيح الحكاية التي لا يوجد عندهم غيرها!
¥