وقد روى الخطيب البغدادي قصة عجيبة تؤكد ما نقوله: " ... أن امرأة وقفت على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواه فلان، وما حدث به غير فلان. فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى؟ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض. فأقبل أبو ثور، فقالوا لها: عليك بالمقبل. فالتفتت إليه فسألته، فقال: نعم، تغسل الميت بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "حيضتك ليست في يدك"، ولقولها: "كنت أفرق رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالماء وأنا حائض". قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به. فقالوا: نعم، رواه فلان وحدثنا فلان، وخاضوا في الطرق. فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟! ... "

لذلك قال أبو المؤرج-كما في مدونة أبي غانم الخراساني - هو من تلاميذ أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة عنهم أنهم " يروون الرواية ولا يعرفون وجهها ولا معانيها"

بينما الإباضية مدرسة فقهية فهم يأخذون بالحديث في إطار الفقه،فمتى ما كان الحديث سنة مجتمع عليها أخذوا بالتأصيل عليه ومتى لم يكن كذلك بحثوا عنه أو عن غيره يقول ابن بركة:

" ... والسنَّة أيضاً على ضربين: فسنَّة قد اجتمع عليها، وقد استغنى بالإجماع عن طلب صحتها؛ وسُنَّة مختلف فيها، لم يبلغ الكل علمها، وهي التي يقع التنازع بين الناس في صحتها. فلذلك تجب الأسانيد والبحث عن صحتها ثم التنازع في تأويلها إذا صحت بنقلها، فإذا اختلفوا في حكمها كان مرجعهم إلى الكتاب ... "

فالتعاطي مع الحديث يختلف بين المدرستين

فالإباضية- كما قلت- لا يهمهم الحديث الإ في إطار الفقه فهم لا يهتمون بتخريج الحديث من طرقه إذا كانت السنة صحيحة عندهم .. وهم كذلك يبنون فقهم على السنة المجمع عليه في نطاق واسع لمن أدركه الحظ في الاطلاع على كتبهم

فمن هذه الاختلاف بين المدرسة الإباضية والمدرسة السلفية .. نخرج بالقول أن المدرسة الإباضية مدرسة فقهية أصولية من خصائص الكتب التي ألفت فيها الآتي:

-أنهم ينتهجون المنهج الكلي الشمولي.وفق القواعد الكلية والضوابط الشرعية الراسخة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

- أنهم إذا ذكروا الحديث فإنهم يذكرون ما يناسب المقام بطريقتهم الفقهية.وقد يختارون أي لفظ يحتاجونه في المسألة المناقشة سواء كان اللفظ مما رواه الإباضية أنفسهم كمسند الإمام الربيع أو مما رواه غيرهم

-أن الإباضية لا يتجاوزن المناقشة الفقهية إلى تخريج الأحاديث من كتبها،فلذلك قل ذكر اسماء كتب الحديث سواء الكتب الإباضية أو كتب المخالفين وفي كثير من الأحيان يعتمد الفقيه الإباضية -حتى بعد عصر تدوين الروايات- على حفظه للروايات مما تعلمه من مشائخه

.. وجدليات مثل ان كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله أو ان الربيع أصح كتاب بعد كتاب الله .. برأيي ليس لها اهتمام عند الإباضية في الماضي لأن غاية ما يستثمره فقهاء الإباضية من الروايات هو متونها .. فتراهم يوردون الطبقة العليا من السند فقط عند ذكر الرواية وفي أحايين كثيرة يذكرون الصحابي فقط .. أو انهم يكتفون بقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذكرون المتن

فهم لا ينظرون إلى كتب الحديث نظرة تقديس ثم يصرفون النظر عن المتون النبوية أيا كانت وأيا من رواها في أي كتاب إذا ثبتت عن النبي فالواجب علينا أن نوجه هذه النظرة إلى السنة فليس كل ما روي يعد سنة للنبي صلى الله عليه وسلم .. فالسنة هي الطريقة المسلوكة ..

فالتنازع في صحة الكتب البشرية على أنها أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل جدليات لا تغني ولا تسمن من جوع .. نعم هم يثقون اكثر- بالطبع -بمسند الربيع ذلك بسبب عدالة رجاله القوية عندهم من حيث الصدق والضبط والأمانة.

ولكن في هذا الزمان عندما تخالطت الشعوب وتلاقحت الأفكار ووجد الإباضية مخالفيهم ينازعونهم في ما في مسند الإمام الربيع ويخطئونهم فيه .. أمعنوا النظر في المسند سندا ومتنا وقارنوهما مع غيره من كتب الحديث.فتوصلوا فعلا على أنه أصح بالجملة من غيره من كتب الحديث ... فإذا كان هناك من كتب الحديث من يستحق المركز الثاني بعد كتاب الله عز وجل فأولى بها أصحها وأقدمها تأليفا .. والله أعلم وأحكم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015