وجاء في لسان الميزان (6/ 739): "قال أحمد: وسمعت هشيما يقول: ادعوا الله لأخينا عباد بن العوّام، سمعته يقول: كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له الهيثم بن عبد الغفار، فحدثنا عن همام عن قتادة، وعن أبيه، وعن رجل يقال له الربيع بن حبيب عن همام عن جابر بن زيد، وعن رجاء بن أبي سلمة أحاديث، وعن سعيد بن عبد العزيز وكنا معجبين به".
همام هذا هو ابن يحيى، وهو من الثقات، لكنه لم يلق جابر بن زيد؛ فكما ترى لم ترد ترجمة للربيع بن حبيب سوى ما وضعه هذا التالف – الهيثم بن عبد الغفار – فجاء مبهما مجهولا.
ويقول الإباضي: ولا ننكر وجود بعض الأسباب التاريخية التي من أجلها لم يُعرف الإمام الربيع بين المحدثين من أهل السّنة و لم يعرف كتابه ضمن كتب الحديث رغم أنه من أوائل كتب الحديث التي صُنّفت، ومن هذه الأسباب:
· اعتبار الإباضية إحدى فرق الخوارج المبتدعة الضالة مما أدى إلى تجنب المحدثين الرواية عنه لأنهم اشترطوا فيمن يؤخذ عنه الحديث ألا يكون مبتدعا وداعيا لبدعته.
· عزلة فرضها الإمام الربيع على نفسه بإغلاق الباب في وجوه طلبة العلم من غير أصحابه.
· قلة مصادر تاريخ الإباضية بذهاب كثير منها نتيجة التعصب والظلم والحسد وحرق المكتبات.
· ظلم الولاة والحكام الذين تسلطوا على الأمة الإسلامية في العصور الأولى وسياستهم الجائرة التي طاردت كل من رفع صوته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكرّهوا الأمة فيمن يقول بجواز الخروج على الحاكم ووصفوه بالخروج من الدين.
· انحسار الإباضية في مناطق بعيدة عن مراكز السياسة.
قول أهل السنة: يكون الرد على هذه الشبه واحدة تلو الأخرى كما يأتي:
* أما القول بأنهم من الخوارج الضالين فصحيح، أما جهل أهل السنة بأهل البدع وعدم الرواية عنهم فباطل؛ لأن أهل السنة يروون عن أهل البدع بشروط مبسوطة في كتب المصطلح تحت باب "حكم الرواية عن أهل البدع" مجملها فيما يلي:
1. أن تكون البدعة غير مكفرة؛
2. أن لا يكون صاحب البدعة داعيا إلى بدعته؛
3. إذا تحقق الشرطين الأولين روي عن صاحب البدعة فيما لا يتعلق ببدعته فقط.
ولقد روى الإمام مالك في موطّئه عن داود بن الحصين الخارجي، وروى البخاري عن عمران بن حِطَّان الخارجي في صحيحه وفق الشروط المذكورة، وكذلك الشافعي تحمّل عن إبراهيم بن أبي يحيى القدري ولم يشترط فيه سوى الصدق.
ثم إن من حالهم كحال الإباضية يترجم لهم عند أهل السنة في التراجم والتواريخ والطبقات دون غضاضة، ككتاب الضعفاء والمتروكين للدارقطني وللنسائي، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي، ولسان الميزان لابن حجر، وميزان الاعتدال للذهبي، وتواريخ البخاري الكبير والأوسط والصغير، وتاريخ بغداد للخطيب، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ جرجان للسهمي، وتاريخ الإسلام للذهبي (وهو اسم على مسمى)، ونفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب للمقري التلمساني، وطبقات علماء إفريقيا لأبي العرب، وتاريخ ابن خلدون (الملقب بالعبر)، والطبقات الكبرى لابن سعد، وطبقات فقهاء اليمن للجعدي، ومعجم البلدان للحموي، والأنساب للسمعاني، وكتب الكنى وغيرها كثير، ومن المعاصرين "الأعلام" للزركلي، وكشف الظنون لحاجي خليفة، ومعجم علماء الجزائر لعادل نويهض، ورجال من السِّند والهند للمباركفوري وغيرهم، وإن من ترجمة إلا وتجدها في مراجع أهل السنة لا يغفلون عنها - كلاءةً من المولى عز وجلّ لدينه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام - فإذا لم تجدها فلإحدى أمرين لا ثالث لهما:
الأول: عدم الاستقراء التام والإحاطة الشاملة، فمن التراجم ما يوجد في بطون كتب لا تمت بصلة للتأريخ كتاج العروس للزُّبيدي، والقاموس المحيط للفيروزآبادي وغيرهما.
الثاني: الترجمة المبحوث عنها خيالية لا وجود لها في الواقع أو أنها جد مغمورة لا علاقة لها بأهل العلم.
* أما القول بعزلة الربيع وعدم فتح الباب لغير أصحابه فهناك من التآليف ما اعتنت بأهل العزلة خاصة، وإلا فالتصانيف التي اعتنت بشأن الخوارج كالكامل للمبرد، وكتاريخ الطبري وابن كثير، وكتب الملل والنحل للشهرستاني ولابن حزم ولعبد القاهر البغدادي لم تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها.
* أما قلة مصادر الإباضية فلا عبرة بها بل العبرة بكتب أهل السنة.
* أما ظلم الولاة وجَوْرهم فعام لا يختص بطائفة دون أخرى، وهذا إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله لم يزده بلاؤه إلا شهرة، ومالك والشافعي وأبو حنيفة عذبوا وامتحنوا، وابن تيمية والسبكي وأبو محمد بن عبد السلام وغيرهم من الأعلام.
* أما بُعد الإباضية عن مراكز الحضارة فهو عليهم لا لهم؛ لأن بعدهم سبب في حفظ تراثهم وصونه، بل الجوائح والخراب يبدأ بمراكز الحضارة ومناراتها كما هو مشاهد في الوقائع التاريخية والمعاصرة.
إذن نعرِض رؤوس الإباضية - خاصة رجال مسند الربيع - على ميزان أهل السنة لنرى زيفها من حقيقتها، فبسم الله وتوفيقه نبدأ:
¥